القدرات الأسمائية في الحياة الإنسانية

– عنوان المحاضرة : القدرات الأسمائية في الحياة الإنسانية

– المحاضر : د. أوس العبيدي

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : FG-Group Academy -Turkey

{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ  سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .. {180} سورة الأعراف .

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدي وحبيبي محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

اللهم صل على سيدنا محمد خاتم الانبياء ومعدن الاسرار ومنبع  الانوار سيد الثقلين محمد المخصوص بقاب قوسين  وعلى اله وصحبه أجمعين

 اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تحسن بها اخلاقنا وتوسع بها ارزاقنا وتزكي بها اعمالنا وتغفر بها ذنوبنا وتطهر بها قلوبنا  وتنزه بها افكارنا وتنور بها بصائرنا وتفتح لنا بها الفتح المبين يا اكرم الاكرمين

السلام عليكم ورحمة الله المرسلة لعباده المُحبين التالين لكتاب الحب الاعظم آناء الليل وأطراف النهار لتنير بتلك الكلمات والحروف النورانية قلوب عباده المحبين

الحمد لله القدوس الذي اثنى على نفسه بنفسه وسمى نفسه بنفسه قديماً فلا مشارك له في علاه  واودع اسراره في اسمائه فكان  كل ما نراه وما لا نراه من تجليات تلك الاسماء  فعم العباد بهذه النعمة فجعل من اسمائه للجلال ومنها للجمال

فنال العبد من تلك الاسماء  وانوارها ماهو لعمارة القلوب الخالية  وما هو للطهارة  من سائر الادناس

وكل مظهر من مظاهر قوى الانسان الداخلية الخارجية ما هو الا ظهور لتلك التجليات فسبحان من اودع سره في كلماته وجعل فضائل بره في بديع آياته .

لا يخفى على كل ذي لب ان الاسماء الحسنى هي المنظم لعلاقة الانسان مع خالقه جل وعلا فهي وسيلة المعرفة وطريقها .. ومن اجل ذلك اهتم العلماء اشد الاهتمام بالأسماء الحسنى عداً وتصنيفاً حيث صنفوا الشروح عليها وبينوا كل اسم ومعناه من حيث اللغة .

فكان هذا ما يسمى بالتفسير الظاهر اي اعتنوا بظاهر هذه الاسماء ولم يتعمقوا في معارج ومدارج  هذه الأسماء

ومنهم من ابحر في تلك الاسماء بمدد من الفتاح ففتح الابواب المغلقة وبين اسرار تلك الاسماء وما تجود به على الذاكر بها

فصار يفصل في كل اسم حتى ان بعضهم ألف مجلدات في الاسم الواحد ولم يوفي هذا الاسم حقه ولم يشير لكل انواره ولم يتطرق لجميع خفايا اسراره

حتى باتت تلك الاسرار تلقن بشكل شخصي وخاص للمريدين وحسب حاجة كل واحد منهم لرسم  وايضاح  جانب السلوك العملي ( التعلق – التخلق والتحقق ) بهذه الاسماء ولترسيخ العقيدة الحقة في القلوب  .

نبدء بتعريف الاسم وتعريف الحسنى لنرسم بعض المعالم التي سنسير عليها خلال الدقائق القادمة

اختلف اهل اللغة في تعريف الاسم تبعاً للاختلاف الواقع بينهم في اشتقاقه

 ففي اشتقاق الاسم قولان

الأول : انه مشتق من السمو وهو العلو  وهذا مذهب البصرين .

الثاني : انه مشتق من وسم بمعنى علم بعلامة وهذا مذهب الكوفيين .

وعلماء اهل السنة والجماعة على الاشتقاق الأول .

قال الامام اللغوي المفسر الزجاج رحمة الله تعالى ان قولنا الاسم مشتق من السمو  والاصل فيه سَمو بالواو على وزن حَمَل  وجمعه اسماء

برأيكم ما هي الثمرة من هذا الاختلاف في الاشتقاق ؟

ثمرة الخلاف بين الاشتقاقين ان من قال باشتقاق الاسم من العلو يذهب الى ان الله تعالى لم يزل موصوفاً قبل وجود الخلق وبعدهم وعند فنائهم ولا تأثير لهم في اسمائه وهذه هو قول اهل السنة.

اما من قال بانه مشتق من السمة يذهب الى ان الله تعالى كان في الازل بلا اسم ولا صفه فلما خلق الخلق جعلوا له اسماء وصفات فاذا افناهم بقي بلا اسم وصفة وهو هذا قول المعتزلة .

ومن انسب التعاريف للاسم هو قول ابن سيده : هو علا وظهر فصار علماً للدلالة على  ما تحته من المعنى .

اما ( الحسنى ) قال الزبيدي الحسنُ بالضم الجمال يقال حَسنتُ الشيء تحسيناً زينته .

وقال الراغب الاصفهاني الحَسنَ عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه .

عليه نقول ان للأسماء الحسنى اثر في نفس سماعها وذاكرها  فانت عندما تسمع اسماً  حسناُ  فانك تستبشر به وينشرح صدرك لصاحبه

وبالعكس اذا سمعت اسماء سيئاً فانك تنفر منه وربما تنقبض من صاحبه وان كان هذا غير مطرد الا انه صفة غالبة على الاسماء ومسمياتها .

ولما كان الباري جل وعلا لا يليق به الا الجمال والحسن والكمال المطلق كانت اسماءه تعالى  موصوفة بهذا الوصف ( الحسنى ) اي انها تبلغ في الحسن نهايته وكماله ليكون لها الاثر الحسن في نفس سامعه والاحسن في نفس ذاكرها أو الداعي بها  متلذذ بهذا الحسن والكمال وفي هذا يقول الامام القرطبي سمى الله سبحانه اسماءه بالحسنى لأنها حسنه في الاسماع والقلوب فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وافضاله فهي  حسنى لأنها تقتضي افضل الاوصاف واشرف المعاني .

 

– كم عدد الاسماء الحسنى ؟

ذهب العلماء في عدد الاسماء الحسنى الى مذهبين :

الأول : انها تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحد من احصاها دخل الجنة .

وبذلك قال ابن حزم ومن ايده من العلماء .

الثاني : انها غير محصورة بعدد ، وهذا مذهب جمهور العلماء وذكر الامام النووي ( اتفق العلماء على ان الحديث الذي استدل به ابن حزم  ليس فيه حصر لأسمائه سبحانه وتعالى  فليس معناه انه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين ) .

وهذا معناه ان قوله عليه الصلاة والسلام ان لله تسعة وتسعين اسماً انما هو جملة واحد وهو بمنزلة القول ان لزيدٍ الف درهم اعدها للصدقة وهذا لا يدل على انه ليس عنده من الدراهم اكثر من الف

– أما الادلة على أن اسمائه غير محصورة بعدد :

اولاً : عن عبدالله بن مسعود ” ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ : اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري وجِلاءَ حُزْني وذَهابَ همِّي إلّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا “ قالوا : يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ ؟ قال : ” أجَلْ ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ ” . صحيح ابن حبان ٩٧٢

ثانياً : في حديث  الشفاعة المشهور ” ثم بفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على احد قبلي ” . اخرجه البخاري في صحيحه 4-1746

وكذلك من الادلة على عدم الحصر ان الاسماء اكثرها صفات وصفات الكمال لله لا تتناهى

كما استدل بعضهم انه ثبت في الحديث الخاص بالأسماء  قول ( انه وتر يحب الوتر ) والرواية التي  سردت الاسماء فيها  لم يُعد فيها الوتر فدل على انه له اسماً اخر غير التسعة والتسعين .

 

من حكمة الحق عز وجل انه اودع في الانسان  العقل ودعاه الى التفكر فيما حوله بقوله عز وجل في سورة آل عمران { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

وذلك من اجل ان يصل هذا الانسان الى الغاية العظمى والواجب الاكبر الا وهو معرفة الحق عز وجل واسمائه وصفاته وافعاله والحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  دلنا على المنهج القويم وشرح لنا معالم هذا الطريق  حيث حثنا على التفكر للوصول الى المعرفة وشهود التجليات  الأسمائية وقدراتها  لكي تكون الطريق الموصل اذ الصنعة تدل على الصانع  والمخلوق يدل على الخالق البديع  وعلى حياته وقدرته وعلمه وارادته  وما فيه من الاتقان والاحكام  وخلقه على اكمل وجه  دليل على الحكمة الفاعلة وعناية الإلهية

فالذات الانسانية قابلة للتجليات الأسمائية حيث لها نصيب من هذه الاسماء والقدرات  كونها هي جمعية التجليات الأسمائية  فكل ما تفرق في هذا الكون اجتمع في الانسان ( وتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر ) ، وهذا الذي استدعى تسخير الكون للإنسان  من كونه خليفة الحق ..

{ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الجاثية ، فما من علم او معرفه أو صفة إلا وتستمد أنوارها  وتنال قوتها وبقائها من واحد من تلك الاسماء أو من جملة اجتماعها  فهنا نتكلم عن انبثاق نوراني وتجليات قدروية في الحياة الانسانية  لا محدودة من تلك الأسماء ، فالإنسان باعتباره الخليفة عليه ان يتذوق ويعايش تلك التجليات بالشكل الصحيح والسليم  ويتمكن من تنفيذ المهمة التي تقع على عاتقه  ونقل التأثير القدروي لتلك الاسماء لبناء الحضارة الانسانية فكل انجاز له لا يكون  إلا عن منهج حقيقي كما لا يمكنه الاستعانة بتلك الاسماء الا ان يفهم حقيقة الانوار والاسرار المنبثقة عنها ما اعظمها من امانة ، ومن المعلوم ان كل علم وكل كمال وكل حاسة  لها حقيقة سامية وتلك الحقيقة تستند لأنوار وتجليات احد الاسماء المطهرة وانبثاقها على دوائر ظهور هذه  التجليات ، فمثلا الهندسة علم من العلوم  غاية منتهاه الوصول الى الاسم العدل والمقدر ، فمن كان له نصيب من انوار هذين الاسمين نراهم من المتميزين  خصوصا ان رافقتهم انوار اسم الله البديع والطب كذلك هو علم من العلوم  يستمد من انوار اسمه الشافي  فالشفاء ليس بالأدوية وانما هي اسباب بل الشفاء بتجلي  الاسم على ذات المريض ، فمن شهد تلك التجليات وخرج عن حجاب السبب وعاش حقيقة  ان لا فاعل الا الله ولا شافي غيره وصل لدرجة عالية من الفهم والمعايشة لحقيقة هذا الاسم بل نقول عاش مع انوار هذا الاسم يضارع الاسرار ويشهد اثارها على قلبه وجوارحه ، وكذلك الباحث في حقائق الاشياء يسير  مستدلاً على تلك الانوار بالعون والمدد الإلهي متحققاً بتجليات تلك الاسماء الحقيقية في العلوم والمعارف  والذوات  مقتطفا  من ثمارها ما يحتاج اليه في رحلته وبه يتحقق بدوائر الارتباط الخاصة  ومواطن الجمال الحقيقي الذي يجب عليه ان يتعود ويسترشد به ليستقي من الانوار ما يخلص به النفس من الامراض والاوهام ولهذا قال العلماء لا يجوز للإنسان ان يتخذ  اسماً  معيناً  للذكر الا بالتلقي من الشيخ العارف لان الاسماء ياسادة فيها كل الحقائق فلا يصيح ذكرها الا تحت اشراف من هو اعلم بها منك  وبما تحتاجه  ذاتك .

لما كانت تجليات اسماء الله الحسنى لا تقدر ولا تحصى وغير مقتصرة على طائفة دون طائفة حيث شملت الانسان والحيوان والجمادات وكل دقائق الاكوان حيث اصبحت كل جزئية من الجزئيات  هي مظهرا من مظاهر تجليات تلك الأسماء ، تجلى عز وجل باسمه الرزاق في مظاهر الارزاق فنوعها وابدع تلك العجائب والغرائب وقدرها باسمه المقدر فكل واحد منا له مقدار معلوم من تلك الارزاق وبوقت معلوم ، وتجلى  باسمه القريب فقرب البعيد وكان ذلك في مظهر الاتصال والتواصل في زماننا الحالي  فاصبح البعد مطويا في  تلك الانوار ، وتجلى باسمه الخالق فظهر بدائع خلقه ومظاهر قدرته  …  ابداع البديع في تلك الاجسام  وانوار المصور في تصوير تلك الصور بالإضافة الى  التقدير والحكمة  قال تعالى { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ }

وكذا أعزائي  فإن للأسماء قدرات وتجليات سواء انتبهنا ام انحجبنا عن ذلك .. عشنا بشهودها ام لا  .. لذلك لا يجب ان نغفل عنها ( عش بصيراً لا اعمى ) ..

فاذا اكلت فاشهد  انوار اسمه المقيت ..

واذا نظرت الى الماديات فاشهد القيوم الذي امدها ..

وفي لطفك اشهد انوار اسمه اللطيف ..

وفي غناك اشهد انوار اسمه الغني ..

وفي تعلمك للقران  وآياته اشهد انوار اسمه الرحمن ..

واشهد الرب يرعاك ويربيك واشهد انك عبد لتلك الربوبية قائم بحقها معترفا بالذل والانكسار

وعند استغفارك وتوبتك اشهد الغفار والتواب وتجليهما عليك ..

وعند تناولك للعسل اشهد الشافي ..

وفي سمعك اشهد السميع  وفي بصرك اشهد البصير  وتجليهما عليك ..

اما في تفكرك بنفسك اشهد القادر الذي جمع بين الضدين الروح والجسد  تلك النفخة العلوية  وذلك المادي الترابي ..

يا أَيُّها الروحُ هَل تَرضى مُجاوَرَةً عَلى الدَوامِ لِهَذا المَظلِمِ الكَدَرِ وَأَينَ كُنتَ وَلا جِسمٍ تُساكِنُهُ أَلَستَ في حَضراتِ القُدسِ فَاِدَّكِرِ ..

 

سؤال من أحد الحضور : وفي فقرك ؟

الجواب : اشهد ذلك وانكسارك وعش تجليات اسمه الغني فيغنيك وتجليات اسمه العزيز فيعزك .

 

وعند نظرك لجمال الاشياء اشهد الجميل الذي تجلى عليها فكساها ذلك الجمال ..

وفي عزتك اشهد العزيز الذي كساك ثوب العزة فما هي الا انوار سقى بها ذاتك  فكنت عزيزا  في هذا الكون  واشهد انوار المذل  على ذوات المعاندين  الرافضين للحقيقة فما هي الا قيود كبلت  قلوبهم

فان شهدت تلك التجليات استصغرت نفسك فتتركها على ابواب  الدنيا الملعونة  خارجا منها فانيا  باقيا به  فلا يوجد شي  في الوجود الا وهو مستمد من انواره  ومعادن اسراره فلا يشهد قلبك الا انوار التجلي ..

وقد تسأل ما الذي حجبني عن مشاهدة كل تلك التجليات في حياتي الانسانية   اقول هو ركونك الى نفسك واتباعك لتلك الرعونات و وهمك بقدرتك على التدبير وغاب عنك ان كل شي بخلقه وتدبيره

فالسعادة كل السعادة لمن تحقق بالضعف لمولاه وعاين تجلياته وعاش تلك الشؤون ..

فالرافع يرفع اقوام والخافض  يخفض غيرهم   وانت بين الرفع والخفض تارة وتاره وبين القبض والبسط وبين جلال اسمائه وجمالها فما انت الا مجلى تلك الأسماء .

 

– المنهج السلوكي لتحصيل القدرات الاسمائية ولشهود تجلياتها في الحياة الانسانية :

كما ذكرنا في المقدمة ان العلماء من الورثة  اعتنوا عناية خاصة بالأسماء الحسنى   فصاغوا المناهج السلوكية للمريد بما يخص الاسماء الحسنى  وهذا ما يعرف  ( بالتعلق – التخلق – التحقق ) .

ونحن هنا سنتكلم عن التخلق .. المتابع لآيات القرءان الكريم ، يرى ان اغلب الآيات تنتهي بأحد الاسماء الحسنى وهذا يدل على امر مهم وهو ان الطريق الى الحق عز وجل وطلب الوصول الى الحق  لا يتأتى الا عبر هذه الاسماء  والمناهج السلوكي  التي اعتنت بهذه الأسماء ، وقد ورد في الاثر ( تخلقوا بأخلاق الله ) ..

فنرى ان التخلق بتلك الاسماء مدعاة للوصول لرضا الحق عز وجل فيأخذ العبد ما يسد النقص في ذاته ليصل الى كماله ، فالمقصود بالتخلق ليس فقط  التحلي بالأعمال الظاهرة  بل يجب أن يكون  هذا التخلق  نابع من القلب حتى  تتشبع الذات  بأنوار الاسماء  فتظهر الاثار على العبد  وهذا هو الكمال ، لأن الانوار اذا باشرت ذات العبد  وامتزجت بالبواطن  ظهرت اثارها على الجوارح فسارت على الصراط المستقيم  وتحقق العبد بالعبودية الحقة ، ومن جملة تفسير العلماء لقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  ” من أحصاها دخل الجنة ” أي من أحسن مراعاتها  والمحافظة على ما تقتضيه  وصدق بمعانيها وعمل بمقتضاها ، والعمل هنا لا يكون الا بعد العلم  بهذه الاسماء والتخلق بها لينال العبد نصيبه منها وهنا يجب الانتباه لأمر مهم غاب عن الكثيرين  في مسالة التخلق  وهو ان الاغلبية ممن يسيرون في طريق التخلق  يرى ان التخلق هو فقط في معاملتك للناس ومحيطك ويغفل عن امر مهم  الا وهو  ان لنفسك حظ من هذا التخلق .

لنضرب مثال حتى يتبين المعنى :

اسمه الرحمن جل وعلا ، من تخلق بهذا الاسم  واخذ نصيبه منه عليه في  بداية ان يرحم نفسه  فلا يسوقها للمعاصي  ولا يعرضها لغضب الرب عز وجل ولا ينغمس في الذنوب فكل ذلك من باب الرحمة بالنفس  وهذا هو نصيب النفس من التخلق بهذا الاسم  ثم يأتي بعد ذلك نصيب الاخرين والمحيط ، كذلك من طهر نفسه من الحظوظ البشرية والامراض القلبية ومن دنس المكائد الدنيوية وطهر الفكر  عن شهود غير الحق  وطهر القلب عن الانشغال بغيره وطهر العين عن رؤية غيره فاعلا في الاكوان  ثم ظهر اثر ذلك على ظاهره  فقد نال حظه من انوار اسمه القدوس وقام بأداء حقوق نفسه ثم بعد  ذلك يأتي تخلقه  بذلك الاسم بما يتعلق بالغير ، فمن سار على هذا النهج نرى ان الحق عز وجل يمده  فيتجلى الاسم  ممداً ذات العبد الطاهر بأنوار هذا الاسم فيكون العبد مجلى لأنوار اسمه القدوس  ولا بد ان يكون له  حظوة من قدرات هذا الاسم  لذا لا بد من العلم والسلوك .

مداخلة من أحد الحضور : ياريت الناس تتبع هالأسلوب .. للأسف الدنيا اخدت معظمهم .. نسال الله الثبات على طريق الايمان .

الجواب : لهذا كان السلوك واجب والاتباع واجب .

 

وعليه في كل اسم من الاسماء تسير في انواره متعرضاً لتلك التجليات لتكمل ذاتك وتصل للغاية العظمى الا وهي معرفه الحق عز وجل وتشهد الاسماء في ذاتك وفي محيط وتعيش مع ذلك الشهود  منتقلا بين اسراره متعرفا على القدرات التي يمنحها الاسم   في حياتك الانسانية  لتعمل بما تعمل

كانت هذه الكلمات  والامثلة القلة  القليلة  من  جماليات الاسماء وتجلياتها في حياتك  ولو افردنا الكلام لما وسعنا الوقت .

وقبل الختام ملاحظة صغيره قال العلماء ان الاسم ( الله ) هو للتعلق فقط فلا حظ للعبد  للتخلق بهذا الاسم وتعلقك بهذا الاسم هو افتقارك اليه ومعرفة ما يجب له وما يستحيل في حقه تعالى  وما يجوز .

 

وفي الختام نقول ان الاسماء الحسنى هي بحور انوار ومنابع اسرار ينال منها العبد بحسب شهوده لتلك التجليات وعلمه بها وجاهزيته لتلقي انوارها فمن اخذ منها فقد نال الخير الكثير وكشف له الستار  ومن غفل عنها وانحجب فقد خاب وخسر .. فأسرارها بالكون ممتدة .. امدنا الله بتلك الاسرار

واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبد ورسوله 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين

اشكر مشاركتكم ولطيف حروفكم زينتم اوقاتي بحضوركم .. شكرا لكم

السلام عليكم  ورحمة الله … وانواره القدوسية المنبعثة لقلوب عباده المحبين  الذين اصطفاهم حباً .


تمت و الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى