إشراقات الحروف وتجلياتها في حياة سيدنا سليمان عليه السلام

– عنوان المحاضرة : اشراقات الحروف في حياة سيدنا سليمان عليه السلام

– المحاضر : د. سناء صبري

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : أكاديمية FG – Group الأمريكية

بسم الله الرحمن الرحيم ..

والحمد لله رب العالمين .. مَن تقدَّست أسماؤه وعَلَت صفات ذاته .. وكانت حروفه مُوصِلاتٍ كونية لإرادته الإلهية الأزلية الأبدية .. وبقُدرة حتمية .. سبحان الحيّ القيوم العليم أبداً ..

اللهم صل وسلم  وبارك على الحبيب محمد صلاة مباركة بكل حروف الجمال

 

أهلا بكم اعزائي مع أمسيتنا لهذا اليوم حيث سنقدم لكم قدرة خاصة وهي من قدرات الحرفية الإسمية الكشفية حيث سنتكلم عن ملك من ملوك الارض منحه الله تعالى الحكمة العظيمة وملك لم يعطى لأحد من قبله .

سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام : فإننا سننطلق في تحليل اسمه  المبارك ونرى سطوع تلك الحروف في حياته كيف أشرقت وصاغت شخصه الكريم وسيرته العظيمة عليه الصلاة والسلام .

  • شخصية متزنة بالتفاعل مع الآخرين .

  • شخصيته متنوعة وخصبة .

  • منفتح على العالم يحب التحديث ومواكبة عصره ، مطلع على كل ما هو جديد وحديث ، إنسان عصري .

  • دبلوماسي بالتعامل مع الناس ، يتغلغل بسهولة بينهم وله تأثير فعال على من حوله .

  • إنسان بسيط ومتواضع .

  • لديه لين وطراوة ، يتفاعل مع الناس ويأخذ ويعطي ، مرن ومتفهم .

  • لديه قوة فصل حيث يستطيع الفصل بين المتخاصمين وإنهاء المشكلات بينهم ، ويبت ويخصم الأمور بشكل نهائي .

  • تتمتع شخصيته بجماليات وجلاليات ، فنرى منه الجلال في مواقف ونرى منه جماليات أيضا .

  • يبالغ بأمور كثيرة في حياته ، تجده يبالغ في مشاعره أوعواطفه أو بمواقف معينة وبتعابير تحمل روح المبالغة .. أحيانا .

  • إنسان وسطي في كل أمور حياته يميل للوسطية دائما سواء بالإيجاب والسلب أو بالفرح والحزن وهذه الوسطية تعطيه تنوع بالشخصية وتجعل الحياة معه جميلة لأن الشريك يرى منه التلون .

  • لديه إدراك للقوى الخفية وهي معرفة تأتيه من لواقط الحس ، فهو صاحب خيال واسع ، ومن ناحية الحب والعاطفة نجده إنسان رومانسي .

  • لديه شعور عالي جدا مما يجعله مرهف الحس ورومانسي وسريع التأثر بالأشياء .

  • إنسان جسور ولديه شجاعة التمادي والإقدام على شيء دون خوف ولكن دون الوصول إلى حد الوقاحة .

  • لديه أشياء خاصة سرية ، يحب كتم أسراره وأسرار الغير ، ويحب علوم الأسرار .

  • يعاني من ظلم خاص في حياته أي لابد أن يكون في حياته فترة زمنية ( شهر أو سنوات ) يعاني فيها من ظلم وقهر ثم يزول ويمكن أن تكون هذه الفترة في أول حياته أو وسطها أو في آخر حياته .

  • لديه قدرة على ربط الأشياء والأمور والوصل بينها بسهولة .

  • لديه قدرة كبيرة على احتواء العلم وتعليمه .

هذا كان التحليل الحرفي لبعض من صفات اسم سليمان .

– سيدنا سليمان عليه السلام :

هو سليمان بن داوود عليهما السّلام ، كان أبوه نبياً ملكاً ، بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل ، وبعد وفاة داوود – عليه السّلام – ورث سليمان – عليه السّلام – خلافة الأرض والملك ؛ ليحكم بين الناس بحكم الله تعالى ، واصطفاه الله تعالى للنبوّة ، حيث قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ } .

من الصفات التي تحدثنا عنها بالتحليل السابق صفة السريان والتغلغل ومن خلال دراستنا لشخصية النبي سليمان عليه السلام وجدنا هذه الصفة متجلية بشكل كبير في حياته .

فقد كان سيدنا سليمان عليه السلام  واسع النفوذ ، وقد أعطاه الله تعالى قدراتٍ ذاتيّةً ، وإمكانيّاتٍ ماديّةً ، ومنحه الصلاحيات التي تساعده على التغلغل بجميع المخلوقات وحكمها .

حيث قال تعالى عن سليمان عليه السّلام : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَاد ِ* هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } .

قلنا سابقا أن من صفات اسمه أنه لديه مبالغة وظهرت هنا في قوله : { رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي } .

قلنا بالتحليل السابق أن سيدنا سليمان لديه شعور عالي جدا ، إنسان مرهف الحس ورومانسي ولعلنا وجدنا هذه الصفة من خلال قصته مع النمل ، كان سليمان يسير بجيشه من الجن والإنس ، فسمع صوت نملة تنصح زميلاتها بالابتعاد عن طريق جند سليمان خوفاً من أن يحطمهنَّ الجيش دون أن يرونهنّ ، قال تعالى : { حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } ، فتبسَّم نبي الله سليمان عليه السلام من قول تلك النملة ، وسعادةً بما آتاه الله من فهم كلام الحيوانات والطيور والدواب ، ثم رفع يديه إلى السماء داعياً ربه شاكراً له على هذه النعمة ، وجاء في الآية الكريمة : { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } .

من صفات سليمان أيضا صفة اللين وقلنا أنه لديه لين وطراوة ويتفاعل مع الناس ويأخذ ويعطي ، إنسان مرن ومتفهم مع الآخرين، وقد وجدنا هذه الصفة في حياة سيدنا سليمان من خلال قصته مع الهدهد .

فقد كان سيدنا سليمان عليه السلام يتفقّد جنده باستمرار، وعندما لاحظ غياب الهدهد دون علمه وإذنه أقسم على تعذيبه إن لم يأته بعذرٍ عن تغيبه ، وقد كان ما أخَّره عن مجلس سليمان أنّه شاهد خلال طيرانه قوماً يعبدون الشمس ، فتقصَّى أخبارهم ، ثم بادر إلى سيدنا سليمان ليعلِمه بما سمع ورأى من قوم سبأ . حين أخبر الهدهد سيدنا سليمان بأمر قوم سبأ وصفه له وصفاً دقيقاً ، ونقله له بوضوحٍ تام ، بعد تيقُّنٍ من المعلومة واطِّلاعٍ على تفاصيلها ؛ حيث ساءه ما رأى في هؤلاء القوم من عبادة غير الله تعالى ، فما زال يراقبهم ويتتبّع أخبارهم حتى أدرك جميع ما يكتنف القوم ، وماذا يعبدون ، ثم اقترح على سيدنا سليمان الحلَّ بأسلوبٍ لبقٍ مهذب ، هنا سوف نلاحظ صفة الدبلوماسية في شخصية سيدنا سليمان عليه السلام وذلك من خلال رسالته إلى ملكة سبأ ، بعث سيدنا سليمان عليه السلام كتاباً إلى ملكة سبأ ليرى هل كان الهدهد صادقاً في ادعائه أم لا ، وقد تضمّن الكتاب دعوة قوم سبأ إلى الإيمان بالله تعالى والخضوع لأمر سليمان ، فأخذت ملكة سبأ كتاب سليمان فقرأته ثمّ جمعت وزراء مملكتها وأكابر قومها وشاورتهم فيما استجدّ وما جاء فيه كتاب سليمان ، فأخذتهم العزة بالإثم وأشاروا عليها بقتال سليمان وعدم الركون له إلّا أنّ ملكة سبأ كان لها رأيٌ مخالف ؛ حيثُ علمت أنّ صاحب الكتاب ليس كأي ملكٍ أو سلطان ، وعرضت على وزرائها وحاشيتها أن ترسل هدية لسليمان تستعطفه بها وتستجلب مودته ، ومن خلال تلك الهدية تعرف مدى قوة سليمان وجنده بعد أن يحمل تلك الهدية زمرةٌ من رجالها الأشداء ، فينظروا ما وصل إليه ملك سليمان ، ثم بعد ذلك تُقرّر هي ما سيكون الأمر إليه بشأن كتاب سليمان .

أرسلت ملكة سبأ الهدية مع قوةٍ من رجالها ، وكانت الهدية تتكون من الحليّ والجواهر الثمينة ، حتى إذا وضعوا تلك الجواهر والنفائس بين يدي سيدنا سليمان رفضها ، وأظهر عدم حاجته لها ، ثم توعّد مملكتهم بإرسال جنودٍ لا قِبَلَ لهم بها حتى يُخرجهم من بلادهم صاغرين .

هنا وجدنا صفة الشجاعة والإقدام فقد قلنا بالتحليل السابق أن سليمان إنسان جسور ولديه شجاعة وإقدام على الشيء دون خوف .

فعاد رسل ملكة سبأ وأخبروا بما حصل لهم ، ووصفوا لها قوّته وعظمة ملكه ونيته الوشيكة على غزو مملكتهم ، فبعثت حينها إليه تُخبره بأنها ستقدم إليه وتنزل تحت إمرته بعد أن تنظر إلى ما يدعو إليه ، وسارت نحو سيدنا سليمان عليه السلام برفقة جيشٍ عظيم .

من الصفات التي تحدثنا عنها أيضا أن سيدنا سليمان لديه قدرة كبيرة على احتواء العلم فقد كان يعلم علم الأولين والآخرين وكان يحوي كثير من علوم الأسرار التي لا يعلمها أحد غيره في تلك الفترة فقد كان يعلم مما آتاه الله من علم أن الملكة بلقيس على قدر كبير من الذكاء والفطنة وقد كشف كثير من عوالمها الشخصية .

لما علم  بقدومها إليه ، أمر رجاله بتشييد قصرٍ لها ، ثم أراد أن يأتي بعرشها إلى قصره حتى ترى مظاهر قوة سليمان وعظمة ما وصل إليه ملكه ، وليكون جلوسها في الصرح دليلاً على نبوته ؛ حيث تركته في قصرها واحتاطت عليه بالحرس والأبواب المؤصدة والجنود ، فأمر سيدنا سليمان جنوده وخواصه الذين كان عندهم علم الكتاب بأن يأتوه بعرش ملكة سبأ بأقرب فترةٍ ممكنة ، فتطوّع عفريت من الجن على إحضاره بمدةٍ قصيرة ، فقال آخَر من جند سليمان : { أنا آتيك به قبل أن يرجع إليك بصرك إذا نظرت به إلى أبعد غاية منك ثم أغمضته } ، وكان كما قال حيث ظهر عرش ملكة سبأ بعظمته وما به من حليّ أمام سيدنا سليمان .

أمر سيدنا سليمان – عليه السلام – جنوده بتغيير بعض المعالم في عرش ملكة سبأ ليمتحنها هل تعرفه أم لا ، فلما نظرت إليه قالت كأنّه هو ، وهذا من غزارة فهمها ، حيثُ استبعدت أن يكون هو حيث تركته مشيّداً بالحراس والأبواب شديدة الإغلاق ، ويبعد في المسافة عن مكان وجود سيدنا سليمان ، مما يعني استحالة نقله بهذه الصورة وبهذه الفترة ، فأرضية العرش بلورية ، والأسماك تجري من تحته بصورةٍ إبداعية ، وهو يشبه عرشها إلى حدٍ كبير ، مع أنّها تركت قصرها وفيه عرشها محاطٌ بالجنود والحرس ، فلما سألها سيدنا سليمان عنه قالت : كأنه هو لصعوبة نقله واستحالة ذلك ، كما أنّ من الإعجاز أن يكون شبيهاً به لما فيه من تقاربٍ في الشكل والتصميم ، فلما تيقنت ملكة سبأ أنّ ذلك عرشها وعلمت بصدق نبوة سليمان آمنت به وتبرأت مما كانت تعبد هي وقومها .

ومن خلال هذه القصة أيضا وجدنا اعتناء سيدنا سليمان بالجمال من خلال إظهاره لجماليات عرش بلقيس .

فعندما  دخلت القصر كانت الأرضية الزجاجية شديدة الشفافية لدرجة ألا يُرى فاعتقدت أنها تمشي على الماء ورفعت طرف ثوبها كي لا يبتلّ فأخبرها سيدنا سليمان – عليه السلام – دون أن ينظر إلى أن الأرض مصنوعةٌ من الزجاج الشفاف والماء أسفل منها ، عندئذٍ أعلنت بلقيس إسلامها وأسلم معها قومها .

قلنا بالتحليل أن سيدنا سليمان عليه السلام إنسان وسطي في كل أمور حياته ولعل هذه الصفة  ساعدت كثيرا في إظهار علامات الذكاء والفطنة وحسن السياسة والتدبير عليه منذ صغره .

فكان أبوه سيدنا داوود – عليه السّلام – يستشيره في أمورٍ كثيرةٍ منذ صباه لذكائه وفطنته ، وفي أحد الأيام جاء طرفان متخاصمان لسيدنا داوود عليه السّلام ، وكان عنده ابنه سليمان عليه السّلام ، فشكوا إليه أنّ غنم قومٍ دخلت ليلاً إلى مزرعتهم ، فأكلت الزرع وأفسدته ، فحكم سيدنا داوود – عليه السّلام – لصاحب الزرع بأن يأخذ الغنم عوضاً عن إفساد زرعه ، وفي ذلك الوقت استأذن سيدنا سليمان – عليه السّلام – من أبيه ؛ ليبدي رأيه في المسألة ، فأذن له ، فكان حكمه بأن يأخذ أهل الزرع الغنم ، فينتفعوا بألبانها ، وشعرها ، وأولادها ، ويُدفع الزرع إلى أصحاب الغنم ، حتى يصلحوا ما أفسده غنمهم من الزرع ، وبعد ذلك يرجع الغنم إلى أهله والزرع إلى أهله ، وكان حكم سليمان – عليه السّلام – أقرب للحقّ والصواب ، فوافقه سيدنا داوود – عليه السّلام – وحكم بحكمه ، وقد قال الله تعالى في هذه القصّة: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } .

من صفات سليمان كما قلنا سابقا أن لديه قوة على إتمام الأمور إلى نهايتها .

فكان سيدنا سليمان – عليه السّلام – يتحمّل مسؤولية دعوة الآخرين ، ويحاول جاهداً هدايتهم ، حتى وإن لم يكونوا من رعيّته ، وممّا يدل على ذلك ؛ الكتاب الذي أرسله إلى بلقيس وقومها ؛ ليدعوهم إلى توحيد الله تعالى وعبادته ، كما قال تعالى في سورة النمل : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } .

بالإضافة إلى تفقد أحوال رعيته كبيرها وصغيرها ، غنيها وفقيرها ، صحيحها وسقيمها ، ومحاسبتهم في حال التقصير، كما حصل عندما تفقد جيشه فلم يرَ الهدهد الذي كان جندياً من جنوده ، فسأل عنه وتعجب من غيابه ، وتوعّده في حال كان مقصراً في عمله .

وقد بنى سيدنا سليمان عليه السلام بيت المقدس وأقام السور حوله تنفيذاً لوصية أبيه داوود عليه السلام ، وذلك بعد توليه الحكم بأربع سنوات ، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّه بنى الهيكل أي القصر الملكي بعد بنائه بيت المقدس ، حيث أتمّ بناءه في ثلاثة عشر عاماً .

كما كان يهتم بالإصلاح والعمران اهتماماً عظيماً ، وهذا من صفة التحديث والعصرنة التي تكلمنا عنها سابقا أيضا فهو يحب كل شي حديث ومتطور .

كما وكان له أسطولٌ بحري فيه عدد كبير من الخيل التي يعتني بها ويروضها ويعدها من أجل الجهاد في سبيل الله تعالى ، وكانت له مجموعة كبيرة من السراري والنساء الحرائر، إذ لم يكن هناك تحديد لعدد الزوجات في شريعته .

من صفات الخفية التي تكلمنا عنها سابقا في تحليل اسم سليمان أن لديه إدراك للقوى الخفية ولعل هذه الصفة ظهرت جلية في شخصية سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام .

فقد منحه الله سبحانه وتعالى تسبيح الجبال وعلماً بالقضاء .

علمه الله تعالى لغة الطير ومنطقه  ، ولغة سائر الحيوانات ، إذ كان يفهم منها ما لا يفهمه غيره من البشر ، وقد كان يتحدث معها في بعض الأحيان . سخّر الله تعالى له الريح ، فقد كانت تنقله إلى أي مكان يشاء ، وقد كانت تجري بأمره ، وتسير به إلى حيث يريد ، ثمّ تعود به إلى مكانه في الشام .

ولا بدّ من الإشارة إلى أنه كان يملك بساطاً مركباً من الخشب ، وقد كان يسع لجميع ما يحتاجه من القصور ، والدور المبنية ، والخيام ، والخيول ، والأمتعة ، والجمال ، والرحال ، والأثقال ، وغيرها من الطيور والحيوانات ، فكان عندما يريد قتال الأعداء ، أو السفر إلى أي بلاد يحمل هذه الأشياء جميعها على البساط ، ويأمر الريح فتدخل تحته ، وترفعه ، وتسير به بإذن الله تعالى إلى مكان يريده .

أسال الله له عين القِطر أي النحاس المذاب ، حيث كان يتدفق له مذاباً رقراقاً كتدفق الماء العذب ، فكان عليه السلام يصنع منه ما يشاء .

فقد سخّرالله  له الطير والريح والجنّ تمشي بأمره ، قال تعالى في محكم التنزيل : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } .

وقال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } ، فكان سيدنا سليمان يدرك كل هذه القوى الخفية الموجودة في الكون .

وكان سيدنا  سليمان – عليه السلام –  يتجردُ في بيت المقدس مدةً من الزمن ، فكان في كلّ مرةٍ يُصبح فيها يجدُ شجرةً قد نبتت في بيت المقدس فيسألها عن اسمها فترد عليه ، فإن كانت نبتةً للغراسِ غرسها ، وإن كانت للدواء جعلها دواءً لكذا وكذا ، فكانَ سيدنا سليمان ملكًا من أعظم الملوك التي مرّت على البشرية جمعاء .

ومن خلال حكم سيدنا سليمان للجن والعوالم وجدنا الصفة الجلالية في شخصيته ، فقد سخّر الله تعالى له الجن ، يخدمونه بما يريده ، ولا يخرجون عن طاعته ، وإلّا عذبهم عذاباً شديداً ، كما وسخر له مردة الشياطين ، حيث كانوا يغوصون له في البحار لاستخراج اللآلئ والجواهر ، ويقومون بالأعمال التي يصعب على البشر القيام بها ، كبناء القصور العالية ، والصروح الضخمة ، والقدور الثابتة ، ويقيد من يشاء منهم بالأغلال لحماية الناس من شرهم .

من صفات اسم سليمان أنه لديه قدرة الربط بين الأمور ووصلها ببعضها وقد ظهرت بشخصية سيدنا سليمان عليه السلام بربطه بين كل العوالم التي منحه الله تعالى إياها .

فقد استطاع سيدنا سليمان الربط بين كل تلك العوالم  وكان موصولا بها ويتحكم بها كيف يشاء مع إعطاء كل عالم من هذه العوالم خصوصيته .

فقد عاش سيّدنا سيلمان عليه السلام إثنين وخمسين عاماً ، حيث حكم فيها مخلوقات الله تعالى من الجنّ ، والإنس ، والطير ، والحيوانات لمدّة أربعين عاماً ، فوصل تلك العوالم معه مع الحفاظ على خصوصيتها جميعا .

ذُكِرت قصّة وفاة سيّدنا سليمان عليه السلام في القرءان الكريم لتكون دليلاً على العزّة والقوّة والحكم الذي منحه إياه الله تعالى ، وبرهاناً على ضعف الجنّ وكذبهم فيما يدّعون بعلمهم بأمور الغيب .

– وفاة سيدنا سليمان :

روي عن الحافظ ابن عساكر عن ابن عباس : في كل مرّة يصلي فيها سيّدنا سليمان عليه السلام يجعل الله تعالى بين كفيه نبتة ، فيسألها عليه السلام عن اسمها فتخبره به ، ويسألها عن نفعها وفائدتها للناس فتجيبه ، فإذا ما كانت للغرس غرسها وإذا ما كانت للدواء أنبتها ، وفي أحد المرات وهو يصلي ، بعث الله تعالى بين يديه شجرة ، فسألها عن اسمها ، فأجابته بأنّ اسمها الخرنوب ، وسألها عن فائدتها فأجابت أنها لخراب هذا البيت ، ففهم سيدنا سليمان مقصد الله تعالى بذلك ، فنحت عليه السلام من هذه الشجرة عصا ليتكئ عليها ، كانت إرادة الله تعالى عزّ وجلّ بأن يتوفّى عليه السلام وهو يتّكئ على هذه العصا ، وتبقى جثته معلقةً على هذه العصا لعام كامل أمام مخلوقات الله تعالى جميعها ، دون أن يعلم أحد بوفاته .

بقي الجن في أعمالهم الشاقة التي فرضها عليهم سيدنا سليمان طوال هذا العام دون أن يشكوا حتى بوفاته ، حتى جاءت دودة الأرض لتقضم عصا شجرة الخرنوب التي يتكئ عليها جسد سيدنا سليمان منذ أكثر من عام ، ليتكسر العصا ويقع جسد سيدنا سليمان أرضاً ، فيدرك بعدها الجن والإنس حقيقة وفاة سيدنا سليمان منذ وقت طويل دون علمهم بذلك .

جائت قصة وفاة سيدنا سليمان عليه السلام دليلاً من الله تعالى على نفي قدرة الجن على معرفة الغيب كما كانوا يدعون ، ولتكون دليلاً قاطعاً للإنس حتىّ لا يصدقوهم ويتبعونهم في ذلك ، فكيف لمن يعلم بالغيب أن يبقى غافلاً عن وفاة سيدنا سليمان عليه السلام طوال هذا الوقت .

وبذلك نكون قد رأينا معا كيف أشرقت تلك الحروف الرضية في حياة سيدنا سليمان عليه السلام .

نرجو من الله تعالى ان تكون حروفنا مشرقة مزهرة كما أشرقت حروفهم .

أشكر الله سبحانه وتعالى أن علمنا من علمه وفتح لنا بهذه العلوم القرءانية اللدنية الشريفة ..

 كما أشكر معلمي ومرشدي سماحة علامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب

الذي منحني هذه الفرصة وعلمني مما أعطاه الله تعالى والشكر والتقدير له على كل ما أعطى وعلم .. جزاه الله تعالى عنا كل خير وحب .


تمت والحمد الله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى