كبرياء التفاهة

– محاضرة : كبرياء التفاهة

– المحاضر : العارف بالله تعالى عاطف الحياري

– المحاضرة : نصية & صورية

– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

الرحمن الرحيم   ملك يوم الدين   إياك نعبد وإياك نستعين

اهدنا الصراط المستقيم

صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً

إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلاً

لاتكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك

رحمتك نرجو إن ربك هو الفتاح العليم

سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب وبعد :

ليست التفاهة أو الاستهتار نمط حياة بحال من الأحوال ، على وسائل التواصل ..

تَحوُّل الأجيال الحالية والقادمة إلى مجموعات من التافهين ، إلا من رحم ربي ، مصيبة ستَطرَح ثمارها المُرَّة في وقتها ، قَصُر الزمان أم بَعُد ، وحينها ولات حين مناص .

إننا في ظل التقدم التقني الرهيب والتحول في نمط الحياة ، بدلا من الاستفادة الجدية والنافعة من ذلك ، أصبحت التفاهة هي المسيطرة علينا وتمارس سُلُطاتِها على كل شيء .

إننا عندما ننظر إلى نظام التفاهة نجد أنه نظام مكين ، يضرب جذورَه في تربة المجتمع شيئًا فشيئًا ، بشيء من المنهجية والاستقرار المرعبين .

لقد طالت التفاهة جميع مناحي الحياة بدءًا من أبسط الأمور حتى أعقدها ، فنحن اليوم نرى أشخاصاً تافهين يتصدرون وسائل التواصل الاجتماعي و ( السوشيال ميديا ) ، وهم لا يملكون محتوى مفيدًا ولا قيماً علياً ، أو مبادئ ومُثل كبرى ، في حين أنه يتم تجاهل أي محتوى مفيد قيّم و يُعرَض عنه .

( ومن ذلك فإنه يمكننا القول أن صناعة التفاهة تعتمد ) على المحتوى السطحي والسهل الممتنع ، الذي يستهوي الأفراد بسرعة ، مثل الأخبار الجديدة عن المشاهير والأحداث العابرة – ما يسمى هاشتاغ – ، وذلك بدلاً من تناول المواضيع الحقيقية والهامة التي تؤثر على المجتمعات .

يتم تصميم هذا النوع من المحتوى ليكون قابلاً للانتشار بسرعة ويجذب الجماهير مثل تطبيق التيكتوك ، مع تجاهل الأخبار والأحداث الحقيقية التي يمكن أن تساعد على نمو المجتمعات وتطويرها بالشكل السليم .

يؤدي اهتمام الجماهير بالتفاهات إلى تحطيم المجتمعات بطريقة عديدة ، فالتركيز المفرط على الأخبار التافهة والأحداث السطحية يؤدي إلى إهمال القضايا الحقيقية التي يجب التركيز عليها ، مثل : القضايا الدينية والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفقر والبطالة ، ونتيجة لذلك ، يمكن أن تؤدي صناعة التفاهة إلى تقليل الوعي العام والمعرفة المهمة التي يحتاجها المجتمع للتطور والتقدم .

إن الكتابات حول التفاهة بدأت منذ فترة طويلة ، وأول من كتب في ذلك ( آلان دونو ) أستاذ العلوم السياسية جامعة كيبيك كندا ، وقام بترجمته ( مشاعل عبد العزيز الهاجري ) ، نشرته دار سؤال – بيروت لبنان / 2020م / ، يقول في كتابه ( نظام التفاهة ) ، ويُعرّف فيه نظام التفاهة بأنه : ( النظام الاجتماعي الذي تُسيطر فيه طبقة الأشخاص التافهين على جميع مناحي الحياة، وبموجبه تتم مكافأة الرداءة والتفاهة عوضاً عن العمل الجاد الملتزم ) ، لقد طالت التفاهة جميع مناحي الحياة بدءًا من أبسط الأمور حتى أعقدها ، فنحن اليوم نرى أشخاصا تافهين يتصدرون وسائل التواصل الاجتماعي و ( السوشيال ميديا ) ، وهم لا يملكون محتوى مفيدًا ولا قيما عليا ، أو مبادئ ومُثل كبرى ، في حين أنه يتم تجاهل أي محتوى مفيد قيّم و يُعرَض عنه .

يتم تصميم هذا النوع من المحتوى ليكون قابلاً للانتشار بسرعة ويجذب الجماهير مثل تطبيق التيكتوك ، مع تجاهل الأخبار والأحداث الحقيقية التي يمكن أن تساعد على نمو المجتمعات وتطويرها بالشكل السليم .

ومن صفاته : تضخم النزعة المادية والاستهلاكية ، واعتبار الإنسان مجرد شيء وسلعة بدون كرامة ، وسيادة منطق الرأسمالية المتوحشة التي أحالت البشر إلى مجرد آلات مُسخّرة لتحقيق فائض الإنتاج …

كما عبر عن تلك الفكرة ( ماريو باراغاس ) ، في كتابه ( حضارة الفُرجة ) ، تحدّث فيه عن صناعة الرموز الرخيصة ، وثقافة الاستعراض ، وفكر التسطيح ، وفن التهريج واللهو ، وحلّل فيه الثقافة الاستهلاكية كمنتج للرأسمالية .

وانتقد التركيز على التسلية والموضة والجنس والإثارة في الإعلام ، وهاجم من يقيّم وجوده ودوره ونجاحه بظهوره في منصات التواصل الاجتماعي وعدد المتابعين والمشاركين والمعجبين .

إن  كلمة ( تفاهة ) تعني : الانشغال بالتوافه ، وهي الصغائر التي لا ترتقي بالإنسان ، وتعني التفاهة أيضاً : النقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة ، وحين يُقال أن فلانا يَشْتَغِلُ بِتَوَافِهِ الأُمُورِ ، فهذا يعني أنه منشغل بِمَا لاَ أَهَمِّيَّةَ لَهُ ، وقد وصف فلاسفة ومفكرون عالَم اليوم بأنه مسيَّر بآليات ( نظام التفاهة ) ، وهذا عنوان كتاب الفيلسوف الكندي المعاصر ( آلان دونو ) .

هذا كتاب نظام التفاهة للدكتور آلان دونو .. وخلاصته :

يمكن تصنيف هذا الكتاب في خانة أدبيات “ما بعد الحداثة “ كاتجاه فكري يُعنى بنقد مآلات وصيرورة الحداثة الغربية التي استحالت إلى تضخم النزعة المادية والاستهلاكية ، ناهيك عن تشييئ الإنسان وتسليعه بدل العمل على تحريره وصون كرامته ، وهو ما يعبر عنه الفيلسوف الكندي المعاصر آلان دونو في كتابه الشيق هذا بـ ” نظام التفاهة “ وهدفها هو تحقيق هيمنة اقتصادية متسارعة ، دون حملها أي قيمة إنسانية أو فكرية أو كفاءة تمنحها أن تكون بهذا الموقع سوى امتلاكها المال .

إن كتاب آلان دونو ( نظام التفاهة ) صُنِّف هذا الكتاب بحسب بعض النقاد في خانة أدبيات ( ما بعد الحداثة ) كاتجاه فكري يُعنى بنقد مآلات وصيرورة الحداثة الغربية التي استحالت إلى تضخم النزعة المادية والاستهلاكية ، بدلاً من تحرير الإنسان وصَون كرامته .

وإذا كانت فكرة التفاهة مركوزة ومؤسسة في ثقافتنا بصورة كبيرة ، فإنها تقف خلفها دوافع نفسية واجتماعية وغير ذلك من الأسباب والدوافع التي تسعى إلى تحقيق ذلك ، فهذه الأشكال من مُخرجات صناعة التفاهة تقف وراءها دوافع نفسية عديدة لاسيما في المجتمعات الأقل عملاً وإنتاجاً وإبداعاً ، والأكثر إحباطاً وإخفاقاً وبؤساً .

وأهم هذه الدوافع النفسية اللاشعورية ( التفريغ الانفعالي ) ، ليخرج الإنسان المقهور من باطنه طاقة الغضب المقموعة ، ومخزون الغرائز المكبوتة ، وطبقات العقد المدفونة ، وأكوام الإحباطات المكدسة ، وكم الأحلام الموءودة … يساعده في هذا التفريغ الانفعالي توهّمه بأنه فعل الشيء المرغوب لمجرد أنّه قاله ، واكتسب الصفة الحسنة لمجرد أنه ادّعاها وانتقم من خصمه لمجرد أنه شتمه ، وهذا كله يُعطيه شعوراً وهمياً بالراحة ، ويمنحه إحساساً خادعاً بالسعادة .

ومن الدوافع النفسية اللاشعورية التي تقف وراء حب الناس لنشر الفضائح ومتابعة الإشاعات والأخبار التي تكشف عورات الناس وتهتك أعراضهم وتُسيئ إلى سمعتهم ، هي راحة الشماتة بالآخرين ، كما يقول أنيس منصور في كتابه ( كيمياء الفضيحة ) : الناس تسعدهم الفضيحة ، فهي فرصة للشماتة بالآخرين ، الفضيحة هي الصرف الصحي للعلاقات الإنسانية ، وفضائح الناس تُعطي الشخص إحساساً بالأفضلية والتعالي على الآخرين ، كما أنَّ مصائب الناس تُعطي شعوراً خفياً بالراحة ؛ لأنَّ تلك المُصيبة تخطتنا وذهبت إلى الآخرين . 

إن التحولات التي نعيشها ونشاهدها من حولنا في المجتمع ، من بروز ظاهرة التفاهة في كافة الأوساط ، لابد وأن يترتب عليها أثار سلبية لا محالة ، وهذا نتاج طبيعي في كل الأحوال ؛ فلا يمكن أن يكون هذا الكم من التفاهة والزيف والتسطيح للمسائل ثم تكون المخرجات إيجابية ، فهذا يخالف قواعد العقل والتفكير .

ولهذا فإننا نرى منذ أن نشر لويس الكسندر كتابه ( الكمبيوتر الرهيب ) ، وخلال نصف قرن من الزمن ، تطوّرت أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت ومنصات السوشال ميديا ، وتطورت معهم الحياة البشرية إيجابياً في كثير من المجالات ، ولكنها تغيّرت سلبياً في مجالاتٍ أُخرى ، أفرزت صناعة التفاهة والتافهين ، وهذا ما تنبأ به رسول الله وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حديث السنوات الخدّاعات التي ستأتي على الناس عندما تندثر الثقافة الأصيلة ، وتضعف القيم الأخلاقية ، ويغيب الإبداع الحقيقي ، فذكر من خصائصها : ينطِق فيها الرويبضة ، وعندما سُئِل عن الرويبضة ، قال : ” الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ” حديث صحيح أخرجه ابن ماجه .

– من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي :

 حسب إحصائية تم الإشارة إليها في مجلة Business Insider أن كثير من الأفراد ، وخاصة المراهقين ، يقضون ما بين / 13 إلى 18 / سنة حوالي / 9 / ساعات يومياً في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي . وذلك أكثر من ساعات النوم والطعام والشراب وغيرها من الأنشطة ! حتى يصل البعض إلى أنه لا يستطيع قضاء ساعة كاملة بدون تصفح منصات التواصل الاجتماعي .

ويؤثر ذلك بشكل كبير وسلبي على جوانب الحياة الأخرى ، حيث أنه يتم قضاء الوقت في استخدام الإنترنت على حساب أوقات العائلة والعمل والدراسة بلا شعور . والإدمان على استخدام هذه المنصات يؤثر كذلك على تركيزنا بشكل عام ويسبب تشتت التفكير .

– العزلة الاجتماعية ووهم التواصل الافتراضي : 

قد يصل الأمر إلى أن نجد عائلة في بيت واحد تتواصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، أو أن تجد عوائل يقضي أفرادها ساعات في استخدام الهواتف دون أي تواصل شخصي فعال ، ويكتفي الجميع بالتواصل الافتراضي . وقد تؤدي مثل هذه الممارسات إلى ضعف تطور الشخص اجتماعياً ومهنياً بسبب عدم قدرته على التفاعل الإيجابي والطبيعي مع جوانب الحياة المختلفة .

– مراقبة أحوال الآخرين والنظر إلى مظاهر الترف :

 يتعمد البعض في إظهار الجانب الإيجابي والمثالي فقط على وسائل التواصل الاجتماعي ؛ مما يسبب الإحباط واليأس للبعض من كثرة تتبع المشاهير والمؤثرين وأخبارهم .

الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي – والذي يُعرف أيضًا بإدمان مواقع التواصل الاجتماعي – هو نوع من الاعتماد النفسي والسلوكي على منصات التواصل الاجتماعي ويُعرف أيضًا باضطراب الإدمان على الإنترنت والأشكال الأخرى من إفراط استخدام الإعلام الرقمي ، ويعرف عامة بأنه الاستخدام القهري لمنصات التواصل الاجتماعي والذي ينتج عنه ضرر فادح في أداء الأفراد في مختلف مجالات الحياة لمدة طويلة ، وبالإضافة إلى ذلك فلقد توصل خبراء من مجالات عديدة  إلى وجود علاقات بين استخدام الإعلام الرقمي والصحة العقلية وناقشوها ، وأثاروا الجدل في المجتمعات الطبية والعملية والتقنية ، وأشار البحث إلى أنه يؤثر على النساء أكثر من الرجال وأوضح أنه يؤثر على الأفراد بحسب منصة التواصل الاجتماعي المستخدمة ، ويمكن تشخيص الأفراد بمثل هذا الاضطراب في حال مشاركته في المواقع الالكترونية باعتبارها مسؤولية يومية تحتاج إلى تنفيذ أو لأهداف أخرى مع عدم إعطاء العواقب السلبية أي اعتبار .

الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي لم تصنفها منظمة الصحة العالمية أو الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) على أنه اضطراب ، وتشمل الخلافات حول الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي ما إذا كان حالة مرضية منفصلة عن باقي الاضطرابات أو حالة تنتج عن اضطرابات نفسية كامنة .

ناقش الباحثون هذا السؤال من وجهات نظر عديدة ولم يتفقوا على تعريف واحد معتمد عالميًا وتسبب هذا في صعوبات في طرح توصيات تستند على براهين .

– العلامات والأعراض :

الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي مرتبط بأعراض تختص بالصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب عند الأطفال وصغار السن ، وفي عام / 2019 / أجري تحليل شمولي لدراسة استخدام منصة الفيس بوك وتبين أن بينها وبين أعراض الاكتئاب ارتباط  بحجم تأثير بسيط ، ولكن يمكن أن تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي في بعض الحالات  لتحسين المزاج ، وأوضحت دراسة أجريت في جامعة ولاية ميشيجن من عام / 2015 – 2016 / أن مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي أقل عرضة بنسبة / 63% / للاضطراب النفسي الشديد مثل الاكتئاب والقلق من السنة الأولى إلى التالية ؛ المستخدمين الذين يتواصلون مع أفراد الأسرة الممتدة أكثر تقل اضطراباتهم النفسية ما دام هؤلاء الأفراد بصحة جيدة .

وعلى النقيض ، أظهرت دراسة منهجية وتحليل شمولي في عام / 2018 / أن الاستخدام المفرط للفيسبوك ينتج عنه أثار سلبية على العافية ( Well-being ) لدى المراهقين وصغار السن وظهر أن الاضطرابات النفسية مرتبطة بالاستخدام المفرط ، وأوضحت دراسة جماعية على أفراد يبلغون من العمر / 15 و 16 / سنة بأن الاستخدام المتواصل لمنصات التواصل الاجتماعي مرتبط بأعراض لا يمكن اثباتها مختبريًا أو سريرًيا من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة ( ADHD ) وتابعوهم لمدة عامين .

وعَرَف تقرير تقني صدر عن كلاً من تشاسياكوس وريديسكي وكريستاكيس الفوائد والمخاوف تجاه الصحة النفسية للمراهقين وارتباطها باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ، وأظهر التقرير أن مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي هو ليس العامل المهم بل كيفية قضائه لهذا الوقت هي الأهم ، ولقد وجد أن المراهقين الأكبر عمراً والذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بدون وعي لديهم تدني في مستوى العافية والرضا عن الحياة وعلى عكس الذين يشاركون في مواقع التواصل الاجتماعي بفاعلية ، وأوضح التقرير أيضًا أن هناك علاقة منحنية بين الوقت الذي نقضيه في استخدام الإعلام الرقمي وخطر الإصابة بالاكتئاب في كلاً من النهايات المرتفعة والمنخفضة من استخدام الإنترنت .

ويستطيع الشخص أن يلاحظ مقدار الوقت الذي يقضيه في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ليعرف ما إذا كان يعاني من حالة ادمان أم لا ، وحالات الإدمان هي اضطراب السيطرة على الانفعالات ، والتي يمكن أن تؤدي بالشخص إلى فقدان الإحساس بالوقت خلال استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي ، على سبيل المثال فإن الساعة السيكولوجية لأحد الأشخاص يمكن أن تمر أبطئ من العادة ويُفقَد وعيهم الذاتي ، ولذا يمكن أن يستخدم الأشخاص منصات التواصل الاجتماعي بدون وعي ولفترات طويلة من الوقت ، وكذلك فإنه من الشائع للمراهقين في العصر الرقمي أن يستخدمون هواتفهم الذكية لأغراض ترفيهية ، وتعليمية ، وللأخبار، ولإدارة حياتهم اليومية ، ولذا فإن المراهقين هم أكثر عرضة لفعل تصرفات وعادات إدمانية .

تسمح مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدمين بمشاركة مشاعرهم وقيمهم وعلاقاتهم وأفكارهم علانية ، يستطيع المستخدم التعبير عن مشاعره بحرية من خلال المنصة التي في التواصل الاجتماعي ، ولكن ليس كل ما في مواقع التواصل الاجتماعي جيدًا ، فيمكن أن تسبب أيضًا تمييز الكتروني ؛ فالتمييز والتنمر الإلكتروني أكثر انتشارًا عبر الإنترنت لأن الناس لديهم شجاعة أكثر للكتابة بجراءة مقارنة بالتحدث وجه لوجه ، ويوجد ايضًا ترابط إيجابي قوي بين القلق الاجتماعي واستخدام منصات التواصل الاجتماعي .

والتعريف المحدد لاضطراب القلق الاجتماعي – والذي يعرف ايضا بالفوبيا الاجتماعية – هو القلق الشديد أو الخوف من أحكام الآخرين أو تقييمهم السلبي أو الرفض في وسط اجتماعي ، فالكثير من المستخدمين ذوي الأمراض العقلية – مثل القلق الاجتماعي – يلجؤون للإنترنت كمهرب من الواقع ، لذا فإنهم ينسحبون غالبًا من التواصل وجهًا لوجه ويشعرون براحة أكبر تجاه التواصل عبر الإنترنت ، وتختلف تصرفات الناس غالبًا على منصات التواصل الاجتماعي مقارنة بتصرفاتهم في الحياة الواقعية ، لذا الكثير من الأنشطة والفئات الاجتماعية تكون مختلفة عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي ؛ إن إيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي هي دائمًا محط جدل ، وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تشبع احتياجات التواصل الشخصية فإن الأشخاص الذين يستخدمونها بكثرة يكونون عرضة للاضطرابات النفسية .

واستخدمت هذه الدراسة للتأكد من الارتباطات المباشرة وغير المباشرة بين العصبية ، وصفة القلق ، وصفة الخوف من التفويت مع الالتهاء بالهاتف في حالة الخوف من التفويت والاستخدام المفرط  للإنستغرام ، شارك في هذه الدراسة / 423 / مراهق وفي سن الشباب بين عمر / 14 إلى 21 / سنة ( 53% منهم فتيات ) ، وأظهرت النتائج أن الفتيات لديهم درجة أعلى من الالتهاء بالهاتف ، والخوف من التفويت ، والاستخدام المفرط  للإنستغرام ، وصفة القلق ، والعصبية ، الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي ( PSMU ) الظاهر في الدراسة والمستخدم في العوامل المؤثرة على التركيبة السكانية والسمات الخمس الكبرى في استخدام منصات التواصل الاجتماعي واستخدام المحفزات في تفضيلات مواقع التواصل الاجتماعي : التركيبة السكانية ، والشخصية ، ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة ، وتأثير استخدام منصات التواصل الاجتماعي على الاستخدام المفرط لها ، واحتوت الدراسة على / 1008 / من الطلاب الجامعيين بين عمر / 17 إلى 32 / سنة ، وفضل المشاركون الانستغرام وسناب شات وفيس بوك والتي سجلت أعلى معدلات من الاستخدام المفرط لمنصات التواصل الاجتماعي ، وانتهت الدراسة إلى أن اليوتيوب هو المنصة الوحيدة التي حصلت على تقييم إيجابي بناء على / 14 / سؤال متعلقة بالصحة والعافية ويتبعه تويتر ومن ثم الفيس بوك وسناب شات واخيرًا انستغرام ، حصل انستغرام على أقل نسبة ، ولقد عرف بأن لديه بعض المزايا مثل التعبير عن الذات والهوية الذاتية والمجتمع ولكن كلها تتلاشى أمام تأثيره السلبي على النوم ، وصورة الجسم، والخوف من التفويت والذي يعرف ايضًا بمتلازمة ( FOMO ) .

– الحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي :

أجريت دراسة للحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي لمدة / 3 / أسابيع على طلاب جامعيين / 108 / أنثى و/ 53 / ذكر في جامعة بنسلفينيا ، وطُلِب من المشاركين أن يكون لديهم حسابات في فيس بوك ، وانستغرام ، وسناب شات على جهاز آيفون قبل بدء الدراسة ، تقوم الدراسة على ملاحظة عافية المشاركين من خلال إرسال استبيان لهم في بداية التجربة وفي نهاية كل أسبوع ، وسُئِل الطلاب عن عافيتهم في كلًا من : الدعم الاجتماعي ، والخوف من التفويت ، والوحدة ، والقلق ، والاكتئاب ، وتقدير الذات ، والاستقلالية ، وتقبل الذات ، وأظهرت نتائج الدراسة أن الحد من استخدام منصات التواصل الاجتماعي إلى / 10 / دقائق لكل منصة في اليوم له تأثيرًا إيجابيًا على العافية ، فالوحدة وأعراض الاكتئاب قلت عند المجموعة التي وضعت حد لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي ، ويأثر الاستخدام المحدود لمنصات التواصل الاجتماعي على الطلاب الذين يعانون من أعراض اكتئاب بدرجة أكبر إذا كانوا قد بدأوا التجربة بمستويات عالية من الاكتئاب ، بدأ بعض الناس بفهم الحقيقة التي تقول بأن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يضر الصحة العقلية ، ويعتقد البعض أن استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي سيحفزهم ، ولكن يمكن أن تشعر بشعور سيء بعد استخدامك لها خصوصًا بالاعتماد على كيفية قضائك للوقت عليها ، وأثبتت العديد من الدراسات وجود ارتباط بين كثرة استخدام منصات التواصل الاجتماعي وسوء الصحة العقلية متضمنة : الاكتئاب ، والقلق ، والإحساس بالوحدة والانعزال ، وانخفاض تقدير الذات ، وحتى السلوك الانتحاري .

أكدت دراستين جديدتين على هذه الحقيقة ولم تظهر ترابط بينهم فقط بل أيضًا سببية ، وبعبارة أخرى تغيير معدل الوقت الذي تقضيه في استخدام منصات التواصل الاجتماعي يؤثر بنسبة ملحوظة على الصحة العقلية .

أجريت الدراسة الأولى في جامعة بنسلفانيا ونشرت في مجلة علم النفس الاجتماعي والاكلينيكي ، وطلبت من / 140 / طالب جامعي إما أن يكملوا استخدامهم الاعتيادي لفيس بوك وانستغرام وسناب شات أو أن يضعوا وقت محدد وهو / 10 / دقائق لكل منصة والمجموع / 30 / دقيقة ، وأعطى المشاركون بيانات دقيقة من هواتفهم تظهر الوقت الذي يقضونه في استخدام التطبيقات بدلاً من الاعتماد على الذاكرة التي قد لا تكون دقيقة ، قبل وبعد هذه الخطوة يطلب من المشاركون ملئ استبيانات حتى يستطيع الباحثون فهم حالتهم النفسية ، واهتموا خصيصًا بالقلق ، والاكتئاب ، والوحدة ، والأكثر شهرة ( الخوف من التفويت ) ( FOMO ) ، وكما توقع الباحثون ، الأشخاص الذين وضعوا وقت محدد / 30 / دقيقة لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي شعروا بتحسن بعد فترة / 3 / أسابيع ، وأفادوا بانخفاض الاكتئاب والوحدة وخصوصًا الذين جاؤوا للدراسة بمعدل اكتئاب عالي ، ومن المثير للاهتمام أن المجموعتين أفادوا بانخفاض الخوف من التفويت ( FOMO ) والقلق ، وفي النهاية ، يرى الباحثون أنه لربما هذه فائدة ناتجة عن زيادة مراقبة الذات .

 

إلى هنا نكون قد انهينا امسيتنا لهذه الليلة المباركة ، على أمل لقياكم في اُمسية جديدة ومفيدة إن شاء الله تعالى ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى