خلي عندك أمل
2023-08-06
0 3 6 دقائق
– محاضرة : خلي عندك أمل
– المحاضر : د. رنا حمد
– المحاضرة : نصية
– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey
لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة على مر الدهور والأزمان حتى إلى يومنا هذا ..
وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلى بها أمة أن يتسرب اليأس إلى القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل .
ما أحوجَنا ونحن في هذا الزمن ، زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل . فمن يدري ؟! ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول ، ورب محنة في طيها منحة ، أوليس قد قال الله : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ {216} سورة البقرة ؟! { .. فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {19} سورة النساء .
الأمل أحد مصادر الأمن والسكينة ، وهو شعاع يضيء في الظلمات وينير المعالم ، ويوضح السبل ، يذوق به المرء طعم السعادة ، يحسُّ به بهجة الحياة ، إنه قوة دافعة ، تشرح الصدر للعمل ، تخلق دوافع الكفاح ، تدفع الكسول إلى الجد ، والمجد إلى المداومة ، تدفع المخفق إلى تكرار المحاولة ، إن الذي يدفع المؤمن إلى أن يخالف هواه ويطيع ربه ، أمله في رضوانه وجنته ، لولا الأمل ضاع العمل .
للأمل جانب آخر سنأتي على ذكره لاحقاً ، ذمه القرءان الكريم ، وذمته السنة النبوية الشريفة ..
وله جانب إيجابي ، وهو الذي سأتحدث به الآن .
الأمل سرُّ الحياة ، دافع نشاطها ، مخفف ويلاتها ، باعث البهجة والسرور فيها ، وضد الأمل اليأس ، وهو انطفاء جذوة الأمل في الصدر وانقطاع خيط الرجاء في القلب ، هو العقبة الكؤود ، والمعوق القاهر الذي يحطم في النفس بواعث العمل ، ويضعف في الجسد دواعي القوة ..
لكنه إذا لم يتم الاهتمام به والعمل على تنميته يذبل ويموت ، الأمل لا يموت بالقلب المحطم أو مع الأحلام الضائعة لكنه يموت بالأفكار السلبية والقلق المستمر من جانب الإنسان والسلوكيات غير الواعية .
– ما هو مفهوم الأمل ؟
الأمل هو ذلك الشعور أو العاطفة التي يشعر معها الإنسان بالتفاؤل والإيجابية تجاه ذاته وتجاه الآخرين ، وهو ذلك الشعور الذي يجعله قادراً على التفاعل والتكيف مع المحيطين به ويدفعه بمنأى عن العزلة .. وهو ذلك الشعور الذي يرجو معه الإنسان نتائج إيجابية مهما كانت الحوادث السلبية التي يمر بها حتى لو كانت هذه النتائج الإيجابية صعبة أو مستحيلة الحدوث .
فالأمل يظل حياً مع الانفتاح على جمال الحياة ، ومع الترحاب بابتسامة جميلة .. مع التفكير الإيجابي .. ويتلازم وجوده مع الاستمتاع بالحياة ومع الحب .. لذا فهو بحاجة إلى تنمية دائماً .
– المزيد عن مقومات جودة الحياة :
الاتصال بالآخرين والتفاعل معهم بدلاً من حياة الخوف والعزلة ، وعليك بمشاركتهم أحلامك التي تغذى آمالك ، فبمجرد أن تختار الأمل فكل شيء ممكن تحقيقه .. وإذا لم يكن لديك أمل في الحياة فما معنى أن تلهث وراء إحراز قدر من التقدم العلمي أو محاولة الوصل إلى مناصب في حياتك العملية .. فلن يصبح لأى شيء في الحياة معنى !!
– الاحتفاظ بالرسالة التالية دوماً في قلبك وعقلك وعدم نسيانها على الإطلاق :
أن كل شيء يمر .. وأن عجلة الحياة لا تتوقف عند حال بعينه ، فهناك أوقات عصبية وبعدها تأتي الانفراجة ، فعجلة الحياة لا تتوقف .. وكل شيء يمر لتظهر أحلامك من جديد التي يحيا بها الأمل
– ما الذي يضيفه الأمل لحياة الإنسان ؟
الأمل يشكل حياة الإنسان على المدى البعيد أي المستقبل ، ويؤثر على مشاعره في الحاضر ، وعلى شاكلة التفاؤل ، فإن الأمل يخلق حالة إيجابية لدى الشخص فهو يفكر بشكل إيجابي في توقعاته وفي أهدافه وفي كافة مواقفه المستقبلية . هذه الحالة العقلية الإيجابية تشق طريقها إلى النفس وإلى سلوكيات الفرد لتصبح سلوكياته هي الأخرى إيجابية التي يشعر معها الإنسان بسعادة ورضى .
الأمل يجعل الإنسان قادراً على مواجهة المشاكل بشكل أكثر فعالية وأكثر مرونة ويعطى له القدرة على تخيل النتائج الإيجابية التي يمكن أن يصل إليها لحل المشكلات والأزمات .. والأمل يفتح الذهن لاكتشاف المواقف الجديدة على الشخص التي يتعلم منها وتضيف إلى خبراته .
إذا تحدثنا عن الأمل بوصفه حالة شعورية فهو لا ينطبق عليه مواصفات مفهوم المشاعر ، فالمشاعر تلقائية وتأتي كرد فعل للموقف الذي يتعرض له الشخص مما تسبب تغيرات في الحالة الجسدية والسلوكية له نتيجة لاستجابة الجهاز العصبي .. فالمشاعر تمد الإنسان بمعلومات فورية عن رد الفعل الذي سيأخذه الشخص تجاه موقف ما . فعلى الرغم من أن مفهوم الأمل لا يفي بالمعايير المحددة للمشاعر إلا أنه من المتعارف عليه وكما يحدده الخبراء بأنه أحد السبل التي يمكن أن يتغلب بها الشخص على إحباطاته ومزاجه السلبي فالأمل حالة إدراكية تخلق حالة مزاجية إيجابية يستمر مفعولها على المدى الطويل على الرغم من افتقاده لرد الفعل الفوري الذي يكون مع المشاعر الأخرى ، إضافة إلى أنه يتميز عنها بأنه يُحدد نظرة الشخص في الحياة .
الأمل علاج بديل عن الأدوية والعقاقير الطبية التي تعالج حالات الاكتئاب والقلق ، فإذا كانت الأدوية تعالج فيكون لها على الجانب الآخر بعض الآثار الجانبية التي تزعج الشخص . فالأمل علاج نفسي بديل بدون أية آثار جانبية وعليه لا يتولد معه أي تأثير إدماني .. فالأمل يحافظ على صحة الجسد والعقل والنفس .
– طول الأمل غير محبب :
أجل ، عندما نتحدث عن أهميّة الأمل على مستوى الفرد والجماعة ، وعن دوره في استمرار الحياة ، فإنّ علينا أن نستدرك لنقول : إنّ الأمل قد يخرج عن حدّه فيصبح مذموماً ومرفوضاً ، ومن أجلى مصاديق الأمل المرفوض هو ما عبّرت عنه الأحاديث بـ ” طول الأمل “ ، فطول الأمل مذموم ، لما له من سلبيات .
– من سلبيات طول الأمل :
أ- فهو يدفع الإنسان إلى التسويف ، فإذا سألته لماذا لا تعمل أو لا تصوم أو لا تحج أو لا تعمل صالحاً ؟ يجيبك قائلاً : الوقت أمامنا ، وإذا سألته : لماذا لا تتزوج وتبني أسرة ؟ يجيبك : لا زال أمامنا متسع طويل .. وهكذا تقلّ إنتاجية هذا الشخص ، كما نبّه على ذلك الإمام عليّ رضي الله تعالى عنه وأرضاه في كلمته المروية عنه : ( من اتسع أملُه قَصُرَ عمله ) .
ب- ومن سلبيات طول الأمل أيضاً : قسوة القلب ، ففي الكافي : ( فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسى : يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملك ، فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد ) .
– الآمال الخادعة :
إنّ على الإنسان أن يكون واقعياً في آماله وتوقعاته فلا يعيش أحلاماً خيالية بعيدة عن الواقع ، وعليه في الوقت عينه أن يكون صادقاً مع نفسه فلا يخدعها ولا يغشها ، والتسويف وطول الأمل قد يصل إلى حدّ خداع النفس وإلهائها عن واجباتها ، كما قال تعالى : { ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون {5} سورة الحجر .
وعن أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وأرضاه : ( اتقوا باطل الأمل ، فربَّ مستقبلِ يومٍ ليس بمستدبره ، ومغبوط في أوّل ليله قامت عليه بواكيه في آخره ) .
وعنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه : ( الأمل كالسراب يغرّ من رآه ويخلف من رجاه ) .
وعنه رضي الله تعالى عنه وأرضاه : ( واعلموا أنّ الأمل يسهي العقل وينسي الذكر ، فأكذبوا الأمل فإنّه غرور وصاحبه مغرور ) .
– معوقات الأمل :
إذا كان للإنسان أهدافه التي يسعى لتحقيقها فهذا يعني أن لديه أمل إيجابي ، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد وحسب وإنما هناك معايير أخرى يتحقق بها إيجابية الأمل وبدونها يغيب الأمل ومن بينها :
– لا للخطوات الكبيرة والمتعددة .
– تكفى الخطوة الصغيرة الواحدة ، والأهم هو الإنجاز والتقدم نحو الهدف .
– لا لعشوائية خطوات : تحديد الأولويات في الخطوات التي يقوم بها الشخص والتي تحرز التغيير الإيجابي مطلوب .
– لا للتكاسل أو التخاذل : طالما أن الإنسان بدأ في التنفيذ الفعلي لأهدافه لا يجب أن يتوقف وأن يستمر في الفعل .
– لا للخزي والندم على ومن الأخطاء : الشخص لا يتعلم إلا من أخطائه وخبراته التي يمر بها والتي تحتمل الصواب والخطأ ، لا مفر من أن تندم بعض الشيء على ما فاتك من مكاسب لكن لا ينبغي أن يستمر هذا الندم لفترة طويلة من الزمن بحيث يغيب عن الشخص مكاسب الأمل التي يجنيها بعد تحقق أهدافه .
– لا لغياب التقييم الملائم : هذا التقييم يشتمل على التوقع المسبق للمخاطر وللموارد التي يحتاجها الشخص ، فأيهما أفضل تقييم المخاطر والخسائر المحتملة أم المضي في تحقيق الأمل في غياب المعرفة والمخاطر المحتملة .. فأي شخص لا تكون خطواته إيجابية إلا إذا شعر بالأمان .
– اكتشاف الأمل :
كيف تتعرف على الأمل بداخلك وكيف تصل إليه ؟ ، الأمل رحلة يقوم بها الإنسان بالغوص فيها إلى أعماق نفسه لمعرفة هويتها واكتشاف مهاراتها ونقاط قوتها وضعفها .. ليعرف ماذا يريد بالضبط من هذه الحياة .
لا حدود للاحتمالات التي من الممكن أن يكون عليها الأمل لدى الإنسان ، والتعرف على الأمل يتطلب الانتقال من مرحلة التفكير فيه والترقب له إلى مرحلة العمل الفعلي وتحقيق الأهداف ، ولابد أن يكون الإنسان على دراية تامة بنقاط ضعفه والابتعاد كلية عن القلق الذي يحول دون الفعل
الأهداف تلهب الأمل ، الهدف هو دافع للشخص أو سبب يتم استخدامه على مدار فترة من الزمن من أجل الوفاء بنشاط ما .. ومن أبسط الطرق للتعرف على الأمل الذي يكون بداخلك اختبار الأهداف التي تنبع من رغباتنا وطموحاتنا ، وهذه الأهداف ينبغي أن تكون :
1- ملموسة وليست غامضة .
2- قابلة للإحراز .
3- فيها تحدٍ وليست سهلة .
4- يقبلها الشخص لكى يُقدم على تنفيذها.
يسأل الإنسان نفسه ( ما الذى أريده ؟ ) فهذا يعني بداية التعرف على أهدافه وآماله .
وفي الختام دعوني أقُولْ : رغم العتمة والظلمة المنتشرة من حولنا لن نسمح لليأس أن يتسرّب إلى نفوسنا ليصيبنا بالإحباط ، بل سوف يبقى الأمل رائدنا يملأ قلوبنا بحبّ الخير ويثير فينا الفكرة المبدعة والعاطفة الصادقة ، ويحرّك خطانا نحو الأفضل ، لنضيء شمعة هنا ونزرع وردة هناك ونواسي مظلوماً هنالك .
سنبقى نحلم بالعدل القادم وننتظره انتظار العاملين وليس انتظار الاتكاليين أو الكسالى ، انتظار الفلّاح للشمس التي تُشرق على الزّرع الذي بذره بيمناه ، وانتظاره للمطر الذي يروي الأغراس التي غرسها بساعده .