بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدي وحبيبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
يتجدد اللقاء مرة أخرى ، فأهلاً بكم في هذا الصرح العلمي وها نحن ذا نجتمع مرة أخرى على مائدة العلم لننهل منها ما يعين على الارتقاء بالذات والمجتمعات .
موضوع اليوم بالغ الأهمية ، ولم يحصل لنا ما حصل إلا لأننا تركناه ولم نعيره أهمية .
نتكلم اليوم بعون الله تعالى عن الحوار وآدابه وأهميته في زمننا الحالي .
لا يخفى عليكم أن الحوار وآدابه هي العاصمة من العلو وغيرها من الأمور غير المقبولة التي تحدث للمتحاورين ؛ بل لو أننا اتبعنا الحوار الصحيح والتعبير الصحيح عن الرأي لما وجدنا الكثير من المسميات التي تُطلق اليوم على الأفراد أو المجموعات .
وعليه يجب أن تكون الغاية من الحوار هي إعلاء كلمة الحق أو الدلالة عليه لا الانتصار للأهواء الشخصية أو قضاء مصالح فردية و بالتالي اللجوء إلى الحوار كونه هو الوسيلة المحققة لتلك المصالح والأهوا ، فالهوى لا ضابط له ، فإن قادَ الحوارَ انصبغ بصبغته ، فنراه هو الآخر لا ضابط له ولا ميزان يمنعه من التطرف بالآراء وفرض الخطأ المتوهم على الآخرين .
مَن ينظر للسنوات الماضية ، ومَن يقرأ كتب التاريخ يرى كيف كانت الحضارة الإسلامية ممتدة في كل بقاع المعمورة بل يرى كيف أن الإسلام دخل الكثير من البلدان بدون قتال بل بالأخلاق والكلمة الطيبة التي كان لها الأثر الأكبر في النفوس وهذا بسبب صدق المسلمين حين كانت كلمة الله هي العليا وكلمة الحق هي الحاكمة فلا تنازع بين الباطل والحق لأن الباطل مرفوض كلياً .
عندما تركنا الحوار الحق الذي تعلمناه و تعلمنا أساليبه من خلال النص القرآني الكريم ونصوص السنة الشريفة انحدر بنا إلى وديان التطرف والتكفير والعصبية وغيرها من الأمور التي جاء الإسلام رافضاً لها داعياً لتركها و مشيراً لطرق الارتقاء عنها .
الهيكل الإسلامي لم ينشأ عن فراغ بل نشأ بموجب ضوابط وأسس منهجية وقواعد علمية اتبعها العلماء في صياغة الفكر والوعي وبالتالي صياغة الكيان الإنساني وكان للحوار نصيب من تلك الأسس والقواعد بل كان له النصيب الأكبر حتى ألّف العلماء عدداً لابأس به من الكتب التي صاغت تلك القواعد .
لكن في الوقت الحالي وبكل أسف أهملت الجامعات والمدارس مثل تلك الأمور وركزت على أمور أقل أهمية بل قد لا تكون لها أهمية ، فهذه دعوة للعودة إلى ضوابط الحوار الصحيح لنرتقي خصوصاً أننا في زمن استجدت فيه وسائل كثيرة للتواصل فأصبحنا بحاجة ماسة لضوابط أحدث تنظّم الحوار في تلك الوسائل بالشكل الصحيح ليكون مفيداً معيناً منتجاً لكل ماهو طيب ومفيد .
الحوار في اللغة هو النقاش أو الجدال بين شخصين أو أكثر في قضية مختَلَف عليها ، وهو أهم وسيلة من وسائل الدعوة إلى الحق عزَّ وجل ؛ قال الحق في الآية (25) من سورة النحل :
بسم الله الرحمن الرحيم : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .
فكان الحوار أو الجدال من أهم تلك الوسائل للدعوة للحق عزَّ وجل .
من هناك اتضحت لنا أهمية وسبب عناية العلماء به خاصة وأن آيات القرآن الكريم التي أتت مشيرة لأهمية الحوار وبينت معالمه الأساسية كثيرة .
ولكي نعي أهمية الحوار علينا معرفة أهدافه أو مقاصده فالأمور بمقاصدها وعندما قلنا سابقاً أن الحوار هو النقاش أو الجدال بين شخصين في قضية مختَلَف عليها نجد أن أول أهداف الحوار هو :
إقامة الحجة على الطرف الآخر والعمل على الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق من خلال دفع الشبهات وإبطال الحجج غير الصحيحة بالبراهين الصحيحة .
ثاني تلك الأهداف ذكَرَتْه الآية ( 25 ) من سورة النحل التي ذكرناها آنفاً ألا وهو الدعوة إلى الحق عزَّ وجل ، فالحوار – وكما ذكرنا سابقاً – من أهم وسائل الدعوة إلى الحق عزَّ وجل .
ثالث هذه المقاصد كما قلنا في النقطة الأولى : العمل على الاستدلال الصحيح ، عليه نقول : هو كاشف للحجج الباطلة التي لبّست على الأشخاص ونُشِرَت على أنها الحق وما غيرها باطل ، فكان الحوار وإقامة الحجج هي الدليل على بطلان تلك الشبهات .
رابع هذه المقاصد : أننا بالحوار نقترب ونقلل مساحة الاختلاف ، فالغاية من الحوار هي الوصول إلى الحق ، وبالتالي فكل المسافة المتوهمة بين المتحاروين ستختفي وبذلك يكون الحوار مقرِّباً لوجهات النظر و معيناً على الإجماع تحت كلمة الحق والسير عليها .
كذلك يعتبر الحوار هو الطريقة التعليمية و وسيلة الإيضاح لأهم النقاط وهو أمرٌ بيّنٌ في آيات القرآن الكريم من خلال أفعال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم بهدف التعليم وبيان الحق .
بعد أن تعرَّفنا على مقاصد الحوار نستطيع الآن القول : إن الحوار له ثلاث قواعد أساسية يدور عليها مدار الحوار الفعَّال ، وهي :
– القاعدة الأولى ( طلب الحق ) :
كما قلنا أن الحوار هو الوسيلة الأساسية لبيان الحق وللتفريق بين الحجج الباطلة و حجج أهل الحق وبيَّنَّا البراهين لإثباتها .
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في هذا الأمر: ( أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه ويراه رفيقاً لا خصماً ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهر له الحق ) .
– القاعدة الثانية ( تحديد الهدف ) :
تحديد الهدف أو القضية التي يدور حولها الحوار ، وهدم التشعب ، والتركيز على الفكرة الرئيسية ، وعدم الدخول في الفرعيات قبل إثبات الأفكار الرئيسية وإلا تحول الحوار إلى جدال عقيم لا فائدة منه كوننا نُثبت الفرعيات قبل أن نُثبت الكليات .
– القاعدة الثالثة ( الاتفاق ) :
الاتفاق على الأصول المعتبرة التي يُرجَع إليها لتكون هي المرجعية العليا كَون الاتفاق على تلك الأصول وعلى منهج النظر والاستدلال قبل البدء في أي نقاش هو المنهج العلمي الذي ارتضاه العلماء وإلا سيكون الحوار عبارة عن دوران في حلقة مفرغة لا فائدة منها .
– آداب الحوار :
وهذه الآداب هي آداب شاملة ، ونقصد بالآداب : أي الألفاظ المستخدمة والكلمات وغيرها من الأساليب التي تعين على حوار راقٍ هادفٍ يسعى لتحقيق الغاية .
في الآية ( 25 ) التي ذكرناها من سورة النحل نرى كيف أمرنا الحق بالدعوة لطريق الحق وللمنهج القويم بالكلمة الطيبة ، وهذا يستدعي عدداً من الأمور منها :
1- العناية الخاصة بالكلمات والألفاظ وانتقاء الأفضل منها .
2- حُسن الأدب في التعامل مع الطرف الآخر ومن هذا الأدب مناداة الطرف الآخر بأحب الأسماء إليه مما يبعث الطمأنينة في قلبه وبالتالي يعين على تقبله للحق .
3- الإشارة إلى الأخطاء وغيرها من المغالطات بأسلوب راقٍ وعدم الاستهزاء مما يعين كما قلنا على تقبل الحق ؛ فالاستهزاء لا يليق بصاحب العلم والحق فهو يبعد المسافات بين الأطراف في حين أن غايتنا هي تقريب المسافات لا زياداتها .
4- تقبل الحق ؛ فكما تطلب من المقابل تقبل الحق والاعتراف بالخطأ إن وجد ، فعليك تقبل الحق والاعتراف بالخطأ إن وُجِد عندك ، وعدم المعاندة والمكابرة .
5- الابتعاد عن الأمور والقضايا الخارجة عن المحور الأساسي للحوار ، وعدم التشعب في قضايا قد تؤدي إلى الفتنة والمشاكل .
6- مراعاة الوقت و إعطاء وقت للمقابل كي يتكلم وعدم الاستئثاربالكلام كله وعدم الإطالة في ما لا يحتاج الإطالة فهذا من شأنه أن يسبب الملل .
وهناك الكثير من الأمور الأدبية العامة مثل عدم رفع الصوت وتوقير كبير العمر وغيرها من الأدبيات .
قلنا سابقاً : إن الحوار يكون في قضية مختَلَف عليها ، وعليه فإنَّ لهذا الاختلاف أنواع وأسباب من شأنها أن تؤثر في الحوار .
أما أنواع الاختلاف فهي لا تكون إلا على وجهين : إما محمود وإما مذموم .
– الاختلاف المذموم :
هو اختلاف الضدين ، و عادةً تكون أسبابه راجعة لأمور خلقية أو لجهل مركب يمتاز به الطرف الآخر و بجدارة .
فمن الأسباب الخلقية وأهمها : الغرور والكِبر الذي يكون حاجزاً بين الشخص وبين الحق ، ومنها حب الزعامة والصدارة والمنصب ، ومنها حب الهوى واتباعه ، ومنها التعصب لفئة معينة ولو كانت تلك الفئة على باطل ، ومنها قلة العلم .
هذه بعض من الأسباب التي ينشأ عنها الاختلاف المذموم .
أما الاختلاف المحمود :
فهو اختلاف تنوع واختلاف رحمة حيث تنتهي آراء جميع الأطراف إلى مصب واحد ومشرب واحد ألا وهو طلب الوصول للحق .
وقد يكون ناتجاً عن اختلافات فكرية في الفرعيات كما هو الاختلاف في بعض المسائل بين المذاهب الأربعة فهو اختلاف رحمة واختلاف تيسير على المكلَّفين ، ورغم الاختلاف بين الأئمة الكبار نرى أنه لم يحمل أحد منهم على الآخر أو يتهم أحدهم الآخر بقلة العلم والدين وغيرها من الأمور الحاصلة في الوقت الحالي فكان هذا الاختلاف رحمة وتنوعاً وتوسعة للأمة حتى أن الخليفة عمر بن عبد العزيز قال عن الاختلافات الفقهية بين الصحابة رضوان الله عليهم :
” ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لم يختلفوا ، لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن لنا رخصة ” .
فهم باختلافهم فتحوا باب الاختيار من أقوالهم وبالتالي فإن هذا الباب فتح لنا فتحة تُعينُ المكلفين على الطاعات .
تمت والحمد لله رب العالمين
The point of view of your article has taught me a lot, and I already know how to improve the paper on gate.oi, thank you. https://www.gate.io/ru/signup/XwNAU
Thank you for your shening. I am worried that I lack creative ideas. It is your enticle that makes me full of hope. Thank you. But, I have a question, can you help me? https://accounts.binance.com/en/register?ref=P9L9FQKY