نورانيات بشرية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

ومضات من علم النور المحمدي

– عنوان المحاضرة : نورانيات بشرية سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام

– المحاضر : أ. منتهى عثمان

– المحاضرة : نصية

– قدمت في :  أكاديمية FG – Group الأمريكية

 


الحمد لله الملك المعبود ..

ذي العطاء والمن والجود ..

واهب الحياة وخالق الوجود ..

الذي اتصف بالصمدية وتفرد بالوحدانية والملائكة وأولو العلم على ذلك شهود ..

الحمد له لا نُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه حيث كان ولم يكن هناك وجود ..

نحمده تبارك وتعالى ونستعينه فهو الرحيم الودود ..

ونعوذ بنور وجهه الكريم من فكر محدود ، وذهن مكدود ، وقلب مسدود ..

ونسأله الهداية والرعاية والعناية ، وأن يجعلنا بفضله من الركَّع السجود ..

وأشهد أن لا إله إلا الله الحي الحميد ..

ذو العرش المجيد الفعال لما يريد ..

المحصي المبدئ المعيد ..

خلق الخلق فمنهم شقي ومنهم سعيد ..

قدم للعاصين بالوعيد ، وبشر الطائعين بالجنة وبالمزيد ..

حكَمٌ عدل ليس بظلام للعبيد ..

لا يَشغَله شأن عن شأن ، كل يوم هو في شأن جديد ..

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ذو الخلق الحميد ..

والرأي الرشيد والقول السديد ..

بلَّغ الرسالة على التحديد وأدى الأمانة دون نقص أو مزيد ..

أرشدنا إلى طريق الهداية والتسديد ..

وحذرنا من التردي في الغَواية والضلال البعيد ..

حمل السلاح في سبيل أشرف غاية بعزم من حديد ..

وجمع الأمة تحت لواء أجلِّ راية .. راية التوحيد ..

فاختصه ربه بالوسيلة والفضيلة وبشَّره بالمقام المحمود ..

والظل الممدود ، والحوض المورود ، واللواء المعقود ..

وجعله يوم القيامة شهيدًا على الشهود ..

اللهم إنا نسألك كما أمرتنا أن تُصلي وتسلم وتبارك عليه وعلى آله ..

كما صليت وسلمت وباركت على إبراهيم وآله في العالمين إنك حميد مجيد .

 

في البداية أحب أن أهنئ سماحة المؤسس الحكيم الشيخ الدكتور هانيبال يوسف حرب حفظه الله تعالى وقدس الله سره بمناسبة إفتتاح مهرجان علوم القدرات النورانية الأول بدورته الثالثة ..

واشكره جزيل الشكر بأن أتاح لي هذه الفرصة للمشاركة في هذه الدوحة الشريفة راجين المولى بأن نكون عند حسن ظنكم بنا ..

كما وأشكر جميع من ساهم في إنجاح هذا المهرجان من الإداريين والمشرفين ونشكر جميع من حضر .. فأهلاً وسهلاً بكم أحبابي .

 

يظنُّ بعض الناس أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يساوون غيرهم من البشر في كل أحوالهم وأعراضهم .. وهذا خطأ واضح ، وجهلٌ تردُّه الأدلة الصحيحة من الكتاب والسُّنة .

وهم وإن كانوا يشتركون مع جميع بني آدم في حقيقة الأصل التي هي البشرية من قوله جلَّ ذكره : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُم {110} سورة الكهف .

إلا أنهم يختلفون عنهم في كثير من الصفات والعوارض ، وإلاَّ فما مزيَّتهم ؟

وكيف تظهر ثمرة اصطفائهم على غيرهم واجتبائهم على من سواهم ؟

الأنبياء هم الصفوة المختارة من عباد الله شرَّفهم الله بالنبوة وأعطاهم الحكمة ورزقهم العقل وسداد الرأي واصطفاهم ليكونوا وسطاء بينه وبين خلقه يبلغوهم أوامر الله عز وجل  ويحذرونهم غضبه وعقابه ويرشدونهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة .

وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكونوا من البشر ليتمكن الناس من الإجتماع بهم والأخذ عنهم والإتباع لهم في سلوكهم وأخلاقهم .

والبشرية هي عين إعجازهم فهم بَشَرٌ من جنس البشر لكنهم متميزون عنهم بما لا يلحقهم به أحد .

ومن هنا كانت ملاحظة البشرية العادية المجردة فيهم دون غيرها هي نظرةٌ جاهليةٌ شركيَّة .

فمن ذلك قول قوم نوح في حقه فيما حكاه الله عنهم إذ قال : { فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا {27} سورة هود .

ومن ذلك قول قوم موسى وهارون في حقهما فيما حكاه الله عنهم إذ قال : { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ {47} سورة المؤمنون .

ومن ذلك قول أصحاب الأيكة لنبيهم شعيب – فيما حكاه الله عنهم بقوله : { قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ {185} وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {186} سورة  الشعراء .

ومن ذلك قول المشركين في حقِّ سيِّدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأوه بعين البشرية المجردة فيما حكاه الله عنهم بقوله : { وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ {7} سورة  الفرقان .

والأنبياء صلوات الله عليهم وإن كانوا من البشر يأكلون ويشربون ويصحُّون ويمرضون وينكحون النساء ويمشون في الأسواق ، وتعتريهم العوارض التي تمرُّ على البشر ، من ضعف وشيخوخة وموت .. إلا أنهم يمتازون بخصائص ويتصفون بأوصاف عظيمة جليلة هي بالنسبة لهم من ألزم اللوازم ومن أهم الضروريات .

وهذه الصفات نلخصها فيما يلي :

1- الصدق .

2- التبليغ .

3- الأمانة .

4- الفطانة .

5- السلامة من العيوب المُنَفِّرة .

6- العصمة .

وسنذكر هنا بعض الصفات التي يتميز بها الأنبياء عن البشر ، ونكتفي بذكر ما ثبت في حقِّ سيِّد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم :

1- وجهه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم :

وجْه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جماله وإشراقه ونوره وصفائه كان مثل الشمس والقمر ، قالت الرُبيع بنت معوذ رضي الله تعالى عنها : ” لو رأيتَه رأيتَ الشمس طالعة ” .

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : ” ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأن الشمس تجري في وجهه ” رواه الترمذي .

وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال : ” رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة إضحيان ( مضيئة مقمرة ) وعليه حُلَّة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر ” رواه الترمذي .

وقال حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه : ” وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني  وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ ، خلقتَ مبرأً منْ كلّ عيبٍ كأنكَ قدْ خلقتَ كما تشاءُ ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ” .

 

2- طوله صلى الله عليه وآله وسلم :

فقد أخرج ابن خيثمه في تاريخه والبيهقي وابن عساكر عن عائشة قالت : ” لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أَحَدٌ من الناس يُنْسبُ إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نُسب رسول الله  إلى الربعة ” . وذكره ابن سبع في الخصائص وزاد : ” أنه كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين ” .

 

3- ظله صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج الحكيم الترمذي عن ذكوان : ” أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له ظِلٌّ في شمس ولا قمر ” .

قال ابن سبع : ” من خصائصه أن الظِّلَّ كان لا يقع على الأرض ، وأنه كان نُوراً ، إذا مشى في الشمس أو القمر لا ينظر له ظِلٌّ ” .

قال البهوتي الحنبلي في ” كشاف القناع ” : ” لم يكن له صلى الله عليه وآله وسلم فيء أي ظل في الشمس والقمر ، لأنه نوراني ، والظل نوع ظلمة ” .

ويشهد له أنه سأل الله تعالى أن يجعل في جميع أعضائه وجهاته نوراً وختم بقوله : ” واجعلني نوراً ” . وفي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهذا الدعاء : ” اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي بصري نوراً ، وفي سمعي نوراً ، وعن يميني نوراً ، وعن يساري نوراً ، وفوقي نوراً ، وتحتي نوراً ، وأمامي نوراً ، وخلفي نوراً واجعل لي نوراً ” .

وهذه معجزة من معجزاته عدم ظهور ظل له صلى الله عليه وآله وسلم في الشمس أو القمر ، فقد ذكرها بعض أصحاب السير والشمائل ، وذكرها بعض العلماء في خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم من كتب الفقه .

 

4- ريقُ الحَبِيبِ صلى الله عليه وآله وسلم شِفَاءٌ وَتِرْيَاق :

كان كُلُّ شيء يخرج من حضرته شفاءاً لمن تناوله في وقته وحالته إذا كان الريق فهو شفاء من كل داء .

فقد كان كُلُّ قوم من العرب يجدون ماء بئرهم أصبح مالحاً يقولون : يا رسول الله البئر عندنا ماؤه مالح ، فيقول : ” احضروا كوباً من الماء ، ويضع منه في فمه ويتمضمض ويضعه ثانية في الكوب ويقول لهم : ضعوا هذا الكوب في بئركم ، فيتحول إلى ماء عذبٍ فرات بأمر من يقول للشيء كن فيكون ” .

وهذا لم يحدث مرة أو مرتين ، بل كتب السيرة مملوءة بعشرات من هذه الروايات ، بمجرد وصول ريق رسول الله إلى الماء ، كيف يؤثر في عروق الماء نفسها أو النبع هذا سرٌّ لا يعلمه إلا البديع .

وهذا الريق أيضاً شفاءٌ لكل الأمراض إذا كانت أمراض العيون ، أو أمراض البطن ، أو أمراض الجلد ، أو أي أمراض تنتاب الإنسان ، وإذا كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم : ” سؤر المؤمن شفاء “ فكيف بسؤره صلى الله عليه وآله وسلم ؟ إنه شفاءُ الشفاء .

– معنى السؤر لغةً وشرعاً :

السُّؤر في اللغة بمعنى : البقية والفضله فسؤر كل شيء بقيته .

ويطلق عند الفقهاء على بقية الماء أو الشراب الذي خالطه لعاب من شرب منه .

مع أن الأطباء يقولون : أنَّ الفَمَ كُلَّه جراثيم وميكروبات وطفيليات ، مهما تطهَّر توجد فيه ، فهو بؤرة الجراثيم والميكروبات ولكن لغير المؤمنين .

أما سيِّدُ الأولين والآخرين ، فكلُّ الذي تمرض عينه يأخذ من ريقه فيشفى . وهذا الكلام موجود حتى في الكتب السابقة .

لما علم أهل الكتاب بقرب زمان ولادته جاء كثير منهم إلى الجزيرة العربية ، منهم من سكن المدينة موطن هجرته ، ومنهم من سكن مكة ، وقد سكن منهم راهبٌ في مكة ، وسكن آخرٌ قريباً من عرفات – وهم من أحبار اليهود – وفي الليلة التي وُلِدَ فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت لها علامة عندهم ، أن النجوم تقوم بعمل مظاهرات – ذاهبة وراجعة – حتى يعرفوا أن هذه الليلة ليلة الحضرة المحمدية وهذه كانت علامة عندهم في الكتاب .

 

ولو أعددنا الذين رأوا هذه البشارة لاحتجنا إلى كتب كالمقوقس وقيصر أيضاً كان يجيدان النظر إلى النجوم فأصبح يومها مهموماً فسألوه : ما بك ؟ قال : ” رأيتُ الليلة كَوْكَبَ أحمد ” .

ظهر الليلة كوكبٌ كبير، ولونه أحمر ، ويملأ كل أركان الوجود ، وتزفه جميع النجوم الصغيرة ، ويراه كلُّ مَنْ في أرجاء الأرض في وقت واحد .

فالراهب الذي رأى هذا النجم الذي كان يسكن بجوار مكة أرسل منادياً ينادي ويقول : ” يا أهل مكة ، مَنْ وُلِدَ له مولود الليلة فليأتني به . فسيدنا عبد المطلب ذهب إليه ، فعندما رآه ورأى أوصافه قال له : كن أباه ، فقال : أب لمن ؟ قال : المولود الذي سيختم به الله الرسالات ” .

وبعد أربعة أيام رَمَدَتْ عينُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أهل مكة إذا مرض أَحَدٌ يأخذوه إلى الراهب الذي يسكن في عرفات ، فذهبوا به إليه ، فقال لهم : ” هذا دواؤه معه ، قالوا : وكيف يكون ذلك ؟ فقال : خذوا من ريقه ، وضعوه في عينه يشفى “ ، فأخذوا من ريقه ووضعوه في عينه فشفى صلوات ربي وسلامه عليه .

وعندما أراد أن يفتح حصن خيبر هو والمسلمين ومكثوا يومين ولم يستطع أَحَدٌ الدخول وفي المساء قال لهم : ” غداً سأعطي الراية لِرَجُلٍ يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُه ، ويُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَه “ ، فباتوا جميعاً يتمنون هذا الشرف ، وهذه المنزلة العظيمة ، حتى أن سيدنا عمر قال : ” ما تمنيت الإمارة في يوم إلا في هذا اليوم ” . وفي الصباح قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ” أين عليّ ؟ قالوا : في عينه مرض ، فقال : ائتوني به – وكان به رمد شديد – فأخذ من ريقه ووضع في عينه وَسَلَّمَهُ الراية وقال له : سيفتح الله عليك ، فلم يحتج إلى مسٍّ ثلاثة أيام أو ثلاث مرات ، ولكنها مرةٌ واحدة ، فذهب الألم وشُفيت العين في الحال ” .

كَمْ أَبْرَأَتْ وَصَباً بِاللَّمْسِ راحتُهُ .. كم وكم إلى يوم الدين .

– وليس في زمانه فقط – ولكن رسول الله يعالج وأحيانًا في زيارات منزلية لكن لمن ؟

للسعداء الأتقياء الأنقياء ، فهناك أناس يستدعيهم ويأخذهم في العيادة المحمدية ويعالجهم هناك

وأناس يأتي إليهم بنفسه في زيارة منزلية وَيَزُورُهُمْ ويعالجهم صلوات ربي وسلامه عليه ، والذي يكتم هذه الحقيقة الأعمى المسكين الذي لا يرى شيئاً .

وكذلك كان ريقه صلى الله عليه وآله وسلم يطهر رائحة الفم ، وقد روى الطبراني أن عميرة بنت مسعود ذهبت وأخواتها الأربعة إلى رسول الله يبايعنه فوجدنه يأكل قديدًا وهو اللحم المجفف – وكانت لا توجد ثلاجات ، فكانوا يأكلون من الذبيحة والباقي يحمِّروه ويجففوه ليعيش مدة طويلة – فأعطاها قطعة لحم وقال لها : ” أعطِ كل واحدة من أخواتك قطعة منه – بعد أن وضعها في فمه – فَكُنَّ أنقى أفواه نساء المدينة رائحة ” .

ولو جلسنا نعد العلاجات التي عالج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجد أنها ليست لها نهاية .

فقد وصل به الأمر إلى أنه عمل عملية جراحية لم يقم بها أَحَدٌ من السابقين أو اللاحقين لواحد من أصحابه الكرام في غزوة بدر :

فقد ظَلَّ يحارب إلى أن قُطع ذراعه وتعلَّق على قطعة جلد فقط – بعد قطع العظم واللحم – وكان عندهم عزيمة غريبة في الجهاد ، نفخها فيهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

الواحد منا في هذا الزمن يكون ذاهب إلى مشوار وعندما يعطس عطسة واحدة يقول لن أذهب هذا المشوار اليوم بسبب البرد .

 لكن هذا الرجل قُطع ذراعه وبقي القليل فقال له : أتعطلني عن الحرب في هذا اليوم ؟ ووضع قدمه على ذراعه وفصله عن جسده من أجل أن يحارب ، ونسى ذراعه .

ما هذه الهمَّة يا إخواني ؟

مثلما قال فيهم الله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ {29} سورة الفتح .

شرف ما بعده شرف أن يكونوا في هذه اللوحة هو ومن معه والتكريم يكون لكل الذين معه يوم التكريم العظيم لكل من كان معه ..

الذي كان يطبخ له تكريم والذي كان متخلفاً في المنزل له تكريم كل مَنْ كان في الكتبية المحمدية لا بد أن يكون مكرَّماً عند ربِّ البرية  فيا هناءه كل من كان في كتيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وهذه موجودة إلى أن يلقى الناس الله تعالى بعد زوال الزمان وانتهاء المكان .

وبعدما انتهت المعركة تذكر ذراعه فذهب إلى رسول الله  فقال له : احضر ذراعك – وطبعاً الأنسجة والشرايين والعظم كل شيء تقطع ( هل هناك شيء في عالم الدنيا يضمه إلى بعضه ؟ ) إذا كان جرحاً سطحياً يخيط ولم هناك مسامير أو جبس أو غير ذلك – فأخذ من ريقه ووضع على ذراعه وضمه إلى جسده فشفي في الحال وصار خير ذراعيه  كيف شفي العصب والأوردة وتنقل فيهما الدم ولم يعمل إشاعة ولا غيره ؟ لأن هذه بركة ريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وكذلك السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عندما تكون مشغولة كانت تحضر الحسن والحسين وتتركهما عند حضرة النبي في فترة الرضاعة إلى أن تنتهي من شغلها فعندما يجوع أحدهما يعطى له لسانه ليرضع فيه فيشبع بأمر الله وهذا ليس مرة ولكن مراراً وتكراراً . هذا ريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى لا يقول الجهلاء أنه في البشرية مثلنا .

ومن ذلك ما رواه الطبراني عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، قال : ” أشهد خرجنا مع رسول اللـه صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كنا ببعض الطريق ، سمع رسول اللـه صوت الحسن والحسين وهما يبكيان ، وهما مع أمهما ، فأسرع السير حتى أتاهما ، فسمعته يقول : مَا شٌّانُ ابْنَيَّ ؟ فقالت : العطش . قال : اخْلف رسول اللـه إلى شِنّة يبتغي فيها ماءً ، وكان الماء يومئذ أغْداراً ، والناس يريدون ( الماء ) فنادى : هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَهُ مَاءٌ ؟ فلم يبق أحد إلا أخلف بيده إلى كِلابِه يبتغي الماء في شِنه ، فلم يجد أحد منهم قطرة ، فقال رسول اللـه : نَاوِلِيني أَحَدَهُمَ ، فناولته إياه من تحت الخدر ، فرأيت بياض ذراعيها حين ناولته ، فأخذه فضمَّه إلى صدره ، وهو يضغو ما يسكت ، فأدلع لسانه ، فجعل يمصه حتى هدأ أو سكن ، فلم أسمع له بكاءً ، والآخر يبكي كما هو ما يسكت ، ثم قال : ناوليني الآخر ، فناولته إياه ففعل به كذلك ، فسكتا فلم أسمع لـهما صوتاً ” رواه الطبراني ورجالـه ثقات ، مجمع الزوائد ، تهذيب الكمال ، تهذيب التهذيب ، وحياة الصحابة .

 

5- يرَى من خلفه كما يَرَى من أمامه صلى الله عليه وآله وسلم :

فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ” هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَهُنَا ، فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ رُكُوعُكُمْ وَلا سُجُودُكُمْ ، إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءَ ظَهْرِي ” .

وأخرج مسلم عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ” أَيُّهَا النَّاسُ ! إِنِّي إِمَامُكُمْ ، فَلاَ تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلاَ بِالسُّجُودِ ، وَلاَ بِالْقِيَامَ وَلاَ بِالانْصِرَافِ . فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي ” .

وأخرج عبد الرازق في جامعه والحاكم وأبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : ” إِني لأَنْظُرُ إِلَى مَا وَرَائِي، كَمَا أَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ يَدَيَّ ” .

وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” إنِّي أَرَاكم من وراءِ ظَهري ” .

 

6- يرَى مَا لا نَرَى ويَسْمَعُ ما لا نَسْمَع صلى الله عليه وآله وسلم :

عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ” إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعٍ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ لله سَاجِداً . وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّسَاءِ عَلَى الفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى الله “ ، قال أبو ذر : ” لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ “ رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والرواية للترمذى عن أبي ذر .

 

7- إبَطُهُ الشريف صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج الشيخان عن أنس قال : ” رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى يُرى بياض إبطيه ” .

وأخرج ابن سعد عن جابر قال : ” كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا سجد يرى بياض إبطيه ” .

وقد ورد ذكر بيان إبطيه صلى الله عليه وآله وسلم في عدة أحاديث عن جماعة من الصحاب .

قال المحب الطبري : ” من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم أن الإبط من جميع الناس متغير اللون غيره “ وذكر القرطبي مثله وزاد وقال الحافظ بن حجر : ” وأنه لا شعر فيه ” .

وقال الزركشي : ” وكان منه صلى الله عليه وآله وسلم  أبيضاً عطراً ” .

 

8- عرَقُهُ الشَّرِيفُ صلى الله عليه وآله وسلم :

ننتقل إلى جانب آخر من البشرية لرسول الله ، وهو عَرَقُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول فينا جميعاً سيدنا الإمام عليٌّ كرَّم الله وجهه : ” يا ابن آدم تنتنك العرقة ، وتؤلمك البقة ، وتقتلك الشرقة ، وأنت مع ذلك تواجه القويَّ عز وجل  بالمعصية . أنت ضعيف ما الذي يجعلك تضع نفسك في معصية الرحمن عز وجل ؟ “

وفي رواية : ” أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتي أم سليم فيقيل عندها فتبسط له نطعاً فيقيل عليه – وكان صلى الله عليه وآله وسلم كثير العرق – فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير . فقال : يا أم سليم ما هذا ؟ قالت : عرقك أدوف به طيبي ” .

لكن سيِّدَ رسل الله وأنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم أخرج فيه مسلم عن أنس قال : ” دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ عندنا فَعَرَق ، وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين ؟ قالت : عرق نجعله لطِيبِنَا ، وهو أطيب الطِّيب ” .

فقد كان عَرَقُهُ أطيَّب من كل طيب حتى أنه صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يمشي ويريد أصحابه أن يعرفوا أين ذهب فيشمون رائحته في الشارع الذي يمشي فيه فيمشون وراء الرائحة إلى أن يصلوا إليه صلوات ربي وسلامه عليه .

وإذا وضع يده على رأس طفل تظل الرائحة لمدة أسبوع ، وليست الرائحة فقط ، بل عندما يضع يده على رأس طفل يجدوا أن جميع شعر رأسه يشيب ما عدا موضع يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فكان كل من حوله يعرفون ذلك الأمر حتى بعد انتقال الصحابة رضي الله تعالى عنهم وارضاهم لأنهم كانوا يتبركون بهم ، فإذا مرض عندهم أحدٌ يذهبون إلى الأطفال أو الرجال الذين على رأسهم علامة من يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيضعون أيديهم على موضع يد رسول الله ، ويضعونها على المكان المريض فيشفى بإذن الله عز وجل – مع أن هذا المكان من سنوات – فيشفى على الفور بإذن الله وببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 

9- نوْمُهُ صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج الشيخان عن عائشة قالت : ” يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال : يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي “ وأخرج الشيخان عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : ” تنام عيني ولا ينام قلبي ” .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ” الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ” .

وقد ورد هذا من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد صحّ عنه أنّه قال : ” إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا ” .

” نائمةٌ عَيناه ولا يَنام قلبهُ ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبُهم “ رواه البخاري في صحيحه .

 

10- جِمَاعُهُ صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج البخاري من طريق قتاده عن أنس قال : ” كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة . قلت لأنس : أو كان يطيقه ؟ قال : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين ” .

وقد خُصّ الله تعالى الْأَنْبِيَاءُ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِمَاعِ الدَّالِّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْبِنْيَةِ وَقُوَّةِ الْفُحُولِيَّةِ وَكَمَالِ الرُّجُولِيَّةِ ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ وَالْعُلُومِ ، وَقَدْ وَقَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ أَبْلَغُ الْمُعْجِزَةِ ، لِأَنَّهُ مَعَ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ وَعُلُومِهِ وَمُعَالَجَةِ الْخَلْقِ ، كَانَ مُتَقَلِّلًا مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَعْفِ الْبَدَنِ عَلَى كَثْرَةِ الْجِمَاعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ فَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَة بِغسْل وَاحِد وَهن إحدى عَشْرَةَ امْرَأَةً .

 

11- حفْظُهُ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ الاحْتِلام :

أخرج الطبراني من طريق عكرمة عن أنس وابن عباس والدنيوري في المجالسة من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : ” ما احتلم نبيٌّ قطّ ، وإنما الاحتلام من الشيطان ” .

 

12- دمُهُ صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج البزار وأبو يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي عن عبد الله بن الزبير أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يحتجم ، فلما فرغ قال : ” يا عبد الله اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد ، فشربه . فلما رجع قال : يا عبد الله ما صنعت ؟ قا ل : جعلته في أخفى مكان علمت أنه مخفي عن الناس . قال : لعلك شربته ؟ قلت : نعم . قال : وَيْلٌ للنَّاسِ مِنْك ، وَوَيْلٌ لَكَ مِنْ النَّاس ، فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم ” .

 

13- حفْظُهُ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ التَّثَاؤب :

أخرج البخاري في التاريخ وابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن يزيد بن الأصم قال : ” ما تثاءب النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم قطّ ” .

وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلمه بن عبد الملك بن مروان قال : ” ما تثاءب نبيٌّ قط ” .

 

14- الاسْتِشْفَاءُ بِبَولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم :

أخرج الحسن بن سفيان في مسنده وأبو يعلى والحاكم والدار قطني وأبو نعيم عن أم أيمن قالت : ” قام النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم من الليل إلى فخارة في جانب البيت فَبَالَ فيها ، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها . فلما أصبح أخبرته ، فضحك وقال : إنك لن تشتكي بطنك بعد يومك هذا أبداً ” .

وزاد السيوطي في الخصائص الكبرى : وأخرج الطبراني والبيهقي بسند صحيح عن حكيمة بنت أميمة عن أمها قالت : ” كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت سريره ، فقام فطلبه فلم يجده ؟ فسأل عنه فقال : أين القدح ؟ قالوا : شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لقد احتظرت من النار بحظار ” .

 

– سؤال : على ماذا يدل التثاؤب ؟

الجواب : ليس من المستحب أن نتثاءب بينما يتحدث الآخرون إلينا ، فعلينا أن نكتم التثاؤب أمام الآخرين ، وإن تثاءبنا يجب أن نغطي الفم باليد . وفي رد التثاؤب فائدتان :

– فائدة جمالية .

– فائدة وقائية : تقي من حدوث خلع في المفصل الفكي الصدغي ، وهو المفصل الذي يتحرك الفك السفلي به ، ورغم أن هذا الخلع نادر الحدوث لكنه ممكن .

– آداب التثاؤب في الإسلام :

قال النبي محمد بن عبد الله : ” إن الله تعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع ولا يقل هاه هاه فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه ” .

وعن ابن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليهم وآله وسلم قال : ” إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده ، فإن الشيطان يدخل “ صحيح مسلم .

وقد نظم بعضهم جملة من الخصائص التي تميز بها صلى الله عليه وآله وسلم عن غيره من الصفات البشرية فقال : ” وهكذا إذا تكلمنا في بشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نحتاج إلى سنين ” ..

فما بالكم بالذات المحمدية !!

هذه حقائق أخرى تحتاج إلى عوالم عُلوية ، وأرواح ساكنة في الملأ الأعلى لنفقه هذه الحكم العلية .

نحتاج إلى علوم المكاشفة ، وعلوم المجالسة ، وعلوم المؤانسة ، وعلوم المشاهدة ، كلُّ واحد يتخصص في بند من هذه البنود ليعرفها .

وهذا يحتاج إلى سلوك على يد ولي مرشد عارف بالله تعالى .

– فإما أن يجتهد حتى يأنس بحبيب الله تعالى ومصطفاه ، ويكون هناك أنس ودلال بينه وبينه ، فالحبيب يزوره وهو يشاهده ويتملي بنوره ، ويجلس معه ويسمع كلامه ، ويأتنس به ، وهذا يتمتع بشيىء من مُحَيَّا جمال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وشيء من الكمال الذي خصَّه به الله عز وجل .

– أو أنه يكرمه الكريم فيأخذه – بفضله وكرمه وجوده – إلى مستشفى العيون المحمدية ، وفيها تخصصات لا نعرفها نحن .

– عندما يذهب إلى مستشفى العيون المحمدية تُعطي له قطرةٌ من نُور بَهائه يكمل بها سويداء قلبه ، فينال في الوقت والحال كمال صفاته ، فيرى ما لا يراه الناظرون .. هذه العيادة والمستشفى مكتوب عليها : { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ {175} الصافات .

فيبصرون عالم الأنوار وعالم الأسرار وعالم الأرواح وعالم التجليات ، وعالم الكمالات وعوالم لا نستطيع أن تذكرها أو تعبر عنها الكلمات ، لأن الكلمات محدودات ، وهذه العوالم غير محدودات تحتاج إلى مجال الذوق .

وعندما تكتمل عين السريرة بأنوار الحضرة المنيرة يرى جمال الحبيب الذي من رأى نوره مرة واحدة فوراً يطيب ويتأجج في قلبه لحضرته شوق ولهيب ويسمع لقلبه في المناجاة وجيب

ولا يزال به هذا الوجيب حتى يدخله ويجلسه على أرائك القرب في مواجهة الحبيب : { عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ {23} المطففين .

نعيم القرب من حضرة المصطفى وليس نعيم الأكل والشرب بل نعيم الجمال ونعيم الوصال ونعيم الكمال ونعيم الدلال لأنهم لهم دلال مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

كان رجلاً من الصالحين من بلاد العراق كلما يريد النوم يأتي له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيستيقظ ..

وقد جاء له في ليلةٍ سَبْعَ عشرة مرة وقال له : ” يا خليفة لا تَمَلْ من رؤيتي ، فإنَّ كثيراً من العارفين مات بحسرة نظرة من حضرتي ” .

انظروا إلى الدلال مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. وهؤلاء يجلسهم رسول الله على حجره .

أي : على خزائن جوده الاصطفائية وأنواره البهيَّة وأعطى لهم التصريح أُعطوا مَنْ تشاؤن ما تشاؤن من الحقائق الغيبيَّة والأنوار المحمدية وهذا تصريح لكم من الحضرة المحمدية .

 

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى ختام هذه المحاضرة حتى ألقاكم في محاضرات قادمة لكم مني كل الحب والود .

 


تمت والحمد لله رب العالمين

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى