سلسلة تزكية /2/
2023-08-06
0 1 6 دقائق
– محاضرة : سلسة تزكية /2/
– المحاضر : د. أوس العبيدي
– المحاضرة : نصية
– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على طه الأمين
وعلى آله وصحبه أجمعين في كل وقت وحين .
الحمد لله الذي جعل لنا الطرائق واختصنا بالسير إليه ومعرفته تكريماً على الخلائق …
متحققين بقوله تعالى { كُونُوا رَبَّانِيِّينَ }
فالحمد لله على ما أنعم وأكرم
والصلاة والسلام على الحبيب الأعظم والأفخم سيدي وحبيبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم
– الشاهد القرءاني : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا {9} سورة الشمس .
– الشاهد النبوي :
عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِى عَنِ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : ” الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِىَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً . قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِيمَانِ ، قَالَ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قَالَ : صَدَقْتَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنِ الإِحْسَانِ ، قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِى عَنْ أَمَارَتِهَا ، قَالَ : أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِى الْبُنْيَانِ ، قَالَ : ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِى : يَا عُمَرُ أَتَدْرِى مَنِ السَّائِلُ ؟ ، قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ” .
قال الحق عز وجل في سورة البقرة الآية 151
{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } .
من الآية الشريفة أعلاه نعلم أن التزكية هي وظيفة الرسل عليهم صلاة ربي وسلامه ومن الآية الكريمة نرى أن وظيفة الأنبياء :
1- يتلوا الآيات .
2- يزكيكم .
3- يعلمكم الكتاب والحكمة .
4- ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون .
فالحمد لله تعالى أن جعلنا من أمة خاتم الرسل أجمعين وإمامهم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
ما يهمنا في أمسية اليوم هو النقطة الثانية ( يزكيكم ) حيث سنتعرف على مصطلح التزكية ثم سنتتبع هذا المصطلح في القرءان الكريم إن شاء الله تعالى ، ثم بعد ذلك سنبين ثمرات التزكية لنقف عند مدارس التزكية التي عرفت على مدار الأزمان والعصور لتكون مادة أمسيتنا القادمة إن شاء الله تعالى .
كما قلنا أن التزكية هي وظيفة الرسل عليهم صلوات ربي وسلامه أجمعين وهي غاية الصالحين والمتقين وعليها ( التزكية ) مدار النجاة في الآخرة عندما نقف بين يدي رب العالمين ، وفي الدنيا نعيش مستمتعين بثمارها ولله الحمد .
لما كانت التزكية هي عبارة عن طريق معلوم ومناهج خاصة للارتقاء بالذات الإنسانية وتطهيرها من كل ما يعيق وصولها للحق عز وجل كان لنا لا بد من موجه في هذا الطريق ومرشد يعلمنا ،
فتزكية النفس على سبيل المثال هو تطهيرها من الأمراض والآفات ، وهذه الأمراض تحتاج لنوع علاج محدد وبكيفية معينة ترتقي بالنفس عن هذه الأمراض ، ومن هذا نستطيع القول أن التزكية ليست أمر عشوائي كما يتصوره البعض بل هي خطوات مدروسة وبناء في الذات الإنسانية لتصل إلى خالقها عز وجل ، ومن هنا كانت التزكية هي وظيفة الرسل صلوات ربي عليهم وسلامه
ولما كنا أمة خاتم الرسل سيدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فلا رسول أو نبي بعده أصبحت التزكية هي وظيفة الورثة من بعد الرسل حملوا على عاتقهم هذه المهمة سائرين بالعباد إلى خالقهم .
وعليه نقول بأن التزكية ضرورة وليست أمر كمالي يحتاج إليها الإنسان في كل عصر من العصور حتى قيام الساعة .
تدور التزكية حول عدة معاني وهي ( الطهارة – النماء – الزيادة – البركة – المدح – الصلاح ) وكل هذه المعاني ضروريات في سلوك الإنسان ودعم رحلته نحو الحق عز وجل ، إلا المدح للعلماء كلام فيه نأخذه في موضعه إن شاء الله تعالى .
التزكية في الاصطلاح هي صلاح الانسان بطهارته من السوء والباطل وارتقائه في الخير والحق
وهذه الطهارة تشمل العمل والقول والظاهر والباطن ، ونستطيع القول أنها تشمل طهارة الإنسان بشكل عام وكل ما يصدر عنه وهي نوع من أنواع الحماية من البيئات الفاسدة ليتسنى له الترقي وهذه الترقي أيضاً في الظاهر والباطن وكل ما يصدر عن الإنسان .
علمنا أن التزكية واجبة علينا وأننا مأمورون بها وهي من وظائف الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ووراثه من بعده ، والشرع الشريف بين لنا منهج هذه التزكية وكيفية تحصيلها وأمرنا بالإتباع الذي هو أول خطوات التزكية .
علينا نحن كسالكين أن نطلب الحد الأعلى من التزكية ونسعى له وهو أن نشابه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقدر الاستطاعة وكل واحد منا بحسب مقدرته ونتابعه بكل شيء ظاهر وباطن وعلماً وعملاً .
لا يخفى عليكم أن النفس هي ميدان العمل ( عمل التزكية ) فإذا كانت النفس مريضة أو سيئة لم تنتفع بالحق بل تحاربه لهذا كان لزماً علينا معالجة النفس لتتأهل بالانتفاع وليسري نور الحق .
النصوص اتت لتبين أن النفس قابلة لصفات متقابلة وأن الصفات السيئة التي قد توصف بها النفس ليست صفات لازمة لها لا يمكن تغيرها بل يمكن أن تتزكى النفس وتتطهر لتصير طيبة طاهرة فترتقي من اسوء حالات النفس التي هي الأمارة بالسوء إلى اللوامة إلى الملهمة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضية إلى الكاملة .
ولا ارتقاء ولا انتقال إلا بالتزكية ، فصاحب النفس الأمارة بالسوء تأمره نفسه بالسوء والمعصية والشر ولا يكره ذلك من نفسه ولا يرجع إلى أحكام الله تعالى ليزن بها رغابته واعماله فإذا أراد أن يتزكى وجه قلبه إلى معرفة الخير والحق وبحث عنهما فكانت التزكية هي المنهج وهو الدليل للترقي للمرتبة التي تليها وهي النفس اللوامة وهكذا …
التزكية كما قلنا مطلوبة من كل فرد من أفرد المجتمع المسلم ولا يمكن أن نرى أثر التزكية في المجتمع حتى تظهر في كل المجتمع فنعيش حقيقة العبودية فيه لله تعالى وحقيقة الاستقامة وجمال الخلق الراقي ولا يمكن أن تقوم حضارة إلا على المعاملة الطيبة والأخلاق الراقية فكانت التزكية هي واحدة من مقومات الحضارة ، فالتزكية إذا وجدت في العلم كانت أعظم وسيلة للدعوة إلى الله تعالى فإن الأشخاص إذا شاهدوا جمال خلق المسلم واستقامته وحسن معاملته ينجذبون إليه ويميلون إلى الدين الذي هو عليه وهذا ما حصل في كثير من بلدان الشرق وأفريقيا الذين دخلوا الإسلام بهذه الطريقة .
التزكية تخرج لنا إنسان رباني طاهر مقبول محبوب خلوق عابد وتخلص المجتمع من المتكبرين من اتصف بوقاحة الخلق و البغض .
– نلخص ما مر معنا :
1- التزكية ضرورة وليس أمر كمالي في حياة الإنسان .
2- التزكية واجبة وقد أُمرنا بها .
3- التزكية سبب في ارتقاء الأمم وارتقاء المجتمعات .
4- التزكية وآثارها وسيلة من وسائل الدعوة لله تعالى .
5- الشرع بين لنا طريق التزكية وامرنا بإتباع الأنبياء وورثة الأنبياء لأنهم هم من ارتضاهم الحق لدلالة الناس وجعل التزكية وظيفة لهم .
– ثمار التزكية :
قال الحق عزو جل في سورة طه : { جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكَّىٰ } .
فمن تزكى سار في طريق الحق ورضاه فكانت لهم جنات عدن في الآخرة خالدين فيها جزاء لمجاهدات النفس في الدنيا وصبراً عليه طلباً للحق عز وجل ، وفي الحقيقة من عاش حقائق التزكية عاش هذه الجنات في الدنيا والآخرة ولله الحمد .
قال الحق عز وجل في سورة الاعلى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } .
فالتزكية كما قلنا هي طريق الفلاح وسبب للنجاة من الخيبة في الدنيا والآخرة ولما كانت التزكية سبب للفلاح وعلمنا أن طريق الفلاح له متطلبات وشروط وعلمنا أن التزكية كانت سبب مسهل لتحقيق تلك الشروط في طريق الحق أي أن أثر التزكية ليس فاعل في ذات السالك فقط بل له تأثير ممتدة لما هو خارج ذات السالك ميسر له الطريق والسلوك للوصول للفلاح الذي هو نتيجة لتلك التزكية وثمره لها ولله الحمد .
ولما قال الحق عز وجل في سورة الشمس : { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } .
علمنا أن التزكية هي حصن مانع لكل أسباب ومسببات الخيبة فكما هي تأخذ بيد السالك للفلاح هي حصن مانع للوقوع في الخيبة فكانت التزكية هي قبة من نور تحمي السالك خلال ارتقائه في طريق الفلاح ، الحمد الذي أذن لنا لنكون بين السالكين السائرين في طريقه طالبين الوصول إليه، { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } .
وفقكم الله تعالى وحققكم بحقائق التزكية وأنوارها وجعلكم من أهل الفلاح وخاصته .