بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم لا سهل إلا ماجعلته سهلا
إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلا
لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك
رحمتك نرجوا .. إن ربك هو الفتاح العليم
سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب .. وبعد :
من منا لا يريد الحياة السعيدة والرغيدة لأولاده ؟ بكل تأكيد الكل يريد ذلك ، طبعاً هذا شيء إيجابي ويصب في مصلحة الأولاد ، حيث أنهم يوَّرِثون هذه الإيجابيات لأولادهم من بعدهم .
يقع على عاتق الأهل في تربية الأولاد مسؤولية كبيرة .. فتربية الأولاد بدأً بمرحلة الخداج ثم الطفولة ثم المراهقة ومابعدها .. كل هذا ليس بالشيء الهين والسهل .. فالتربية بحاجة إلى قوانين وضوابط لتكون على نهج صحيح قويم خالي من الأخطاء .
الأبناء يعتقدون بأن مرحلة التربية تنتهي عند الأهل في مرحلة المراهقة ، حيث يظن الشاب أو الشابة قد اكتمل عندهم العقل وأصبحوا قادرين على حل مشكلاتهم لوحدهم دون تدخل من الأهل لأن هذا الشيء قد يغضب البعض منهم .. وهنا يزيداد خوف الأهل من جنوح الأولاد في حياتهم فيخرجون عن طريق الصواب وينحرفون .
التربية والحدود والمراقبة تكون في جميع مراحل التربية ولكن حديثنا اليوم سيقتصر عند بعض النقاط التي تصب في مرحلة مابعد زواج الأبناء .
يجب أن يقف الأهل عند حدود معينة تجاه أولادهم المتزوجين حتى لا تكون ردة فعل أبنائهم تجاههم سلبية ، فتفضي إلى نزاعات وخلافات ومشاكل .
فتدخل الأهل بعموميات أبنائهم باتت من المنغصات والمشاكل التي تعترض طريق الزوجين وخاصة في بداية حياتهما الزوجية .
لماذا هذا التدخل ؟ وما هي الطرق السليمة للتعامل مع هذه التدخلات ؟ وأين هي الحدود التي يجب على الأهل الوقوف عندها ؟
– مشكلة تدخل الاهل في الحياة الزوجية لأبنائهم :
تعتبر السنوات الأولى من أهم محطات الحياة الزوجية وهي الفترة التي تشهد بناء أسس البيت ووضع قوانينه ولبناته الأولى .
حيث أن مرحلة الثلاث سنوات الأولى تشهد تجاذبات عديدة ويمر فيها الزوجين غالباً بمجموعة من المشاكل والاختبارات التي قد تزيد من متانة العلاقة وقوتها ، أو قد تؤدي إلى إنهائها وإعلان فشلها ( لاقدر الله تعالى ) في بعض الأحيان لعدم التوافق .
ويكون ذلك نتيجة لعدم توفر الخبرة الكافية لدى الزوجين وعدم وعي العائلة متى يجب التنبيه والتدخل السريع .
العالم العربي عموماً وبمجتمعاته المحافظة الشرقية خصوصاً ، نجد أن أغلب أسباب الطلاقات التي تحدث تكون لحالات الانفصال في السنوات الأولى من الزواج ، حيث نجد أن معظم هذه الأسباب تكاد تكون محصورة في التدخل المبالغ فيه من قِبل إحدى أو كِلتا عائلتي الزوجين في حياتهما الخاصة وفي الغالب يكون التدخل بخصوصيات الحياة الزوجية .
والسؤال هنا : السماح بتدخل الأهل : هل هو ضعف شخصية ، أم رعاية مبالغ فيها ؟
الجواب : بعد مرور الأشهر الأولى على الزواج وعند التعرض لأول مشكلة بين الزوجين ، في الغالب تلجأ الزوجة لأمها لطلب المشورة في حل المشكلة ، وذلك لعدم توفر الخبرة الكافية عندها ، ومن هنا يكمن مدى وعي الزوجة في مصارحة الأم أو بطريقة طرحها وشرحها للمشكلة .. فتحدث أمها عن مشكلتها بتفاصيلها ، لتملي عليها ما يجب فعله لتتجاوز المشكلة الحاصلة .. ففي غالب الأحيان تنحاز الأم بشكل كبير لجانب ابنتها وغالباً مايكون الحل من منطلق عاطفي أو عقدة نقص عند الأم كانت قد عاشتها ، فتقدم لها النصح النابع من إرادتها في الدفاع عنها ، إلا أن هذه النصائح غالباً ما تحمل في طياتها مشاكل تؤول لحياة الزوجين الجديدين إلى جحيم .
وترجع أسباب تدخل العائلة في الحياة الزوجية إلى ضعف شخصية أحد الزوجين ، أو التعلق الشديد بأحد الوالدين ، أو عدم أهلية أحد الزوجين ، واشدد على الأخيرة وأقول بأن النسبة كبيرة في هذا السبب وغالباً مايكون عند الرجل ، فالرجل هو قوام الأسرة ويجب أن يكون على قدر المسؤولية .. ويجب أن يكون قد تربى على هذا الأمر ليكون مؤهل للزواج ..
وفي غالب الأمر يكون لعدم وجود الثقافة والعلم للاقبال على الحياة الزوجية .. فالمشكلة تكمن في القرارات التي تصدر نتيجة هذا التعلق .. قد يكون نمط التربية الذي عاش في كنفه الإبن أو الإبنة كذلك سبباً رئيسياً في حدوث مثل هذه الأمور .. فمثلاً : إذا كان خطيبكِ لا يستطيع أن يأخذ أي قرار بمفرده ، مهما كان صغيراً ، بل يعود في كل صغيرة وكبيرة إلى أهله ليقرروا له ما يصلح وما لا يصلح ، فاعلمي أنك بزواجكِ منه ستتزوجين ” العائلة “ بأكملها وستضطرين للتعايش مع رغباتهم وقراراتهم ، وتدخلهم بكل شاردة وواردة وتفصيلة بحياتك .
وهذه العلاقة لا ينصح الإستمرار بها ، لأنها تنعكس سلباً على حياتك وحياة أسرتك .
أما إذا كنت تريدين استمرار العلاقة والزواج فعليكِ أنت وخطيبكِ الإلتحاق بدورة تدريبية من قِبل مختصين بعلوم وتعليم الثقافة الزوجية لتتعلموا كيفية إدارة الأسرة لتكون ناجحة .
أما فيما يتعلق بنفسية الوالدين ، فإن تدخلاتهم في حياة أبنائهم تعود بالأساس إلى رغبتهم الجامحة في ضمان حياة كريمة لأبنائهم وإن كان ذلك على حساب شركاء حياتهم .. طبعاً هذا أمر جيد ومثالي ومحمود ولكن يجب أن يكون ضمن الحدود الشرعية .. كي لا ينفر الزوجين .
الوالدان ( وبشكل خاص الأمهات ) يُسقطان غالباً من حساباتهما معطيات شريكِ حياة أبنائهم وبناتهم ولا ينظران إلا إلى ما يسهل حياة أبنائهما ولو أدى ذلك إلى الإضرار بالطرف الآخر ، ما يؤدي إلى خروج الأوضاع عن السيطرة ، فانحياز الأم شيء إيجابي ولكن يجب أن يكون على حق ، ويجب الإنصاف والعدل حتى ولو كان ابنها أو ابنتها على غير حق ، يجب أن تكون قدوة يقتدى بها .
– ما درجة تدخل الأهل في حياة أبنائهم الزوجية ؟
تختلف حدة التدخلات ودرجاتها من بيئة لأخرى ومن حالة لأخرى .. ولكن يجب أن يكون تدخل الأهل بموضوعية فائقة وحياد وبمكانه .. مثلاً عبر تقديم النصائح والملاحظات والتوجيهات ، وكذا الانتقادات إن بدر سوء أدب أو عدم حكمة وكيفية النظر للموضوع بجدية وتحمل المسؤولية المطلوبة.. ويجب على الزوجين ضبط النفس وحسن الجواب بكل بساطة والقبول الحسن .. إلى هنا يكون التدخل في محله وإيجابياً .
تأتي التدخلات النابعة من المتابعة اللصيقة للأهل والتدخل المباشر والغير مباشر لأمور أبنائهم الزوجية ، ثم الحث الحثيث لهم بتغيير بعض الأمور الخاصة بهم التي قد لا تروق لأحد الطرفين ، مما يؤدي إلى نشوء جبهتين إحداها معارض ..
– مثال :
تلاحظين أن حماتكِ لا يخفى عليها أي شيء من تفاصيل حياتكِ الخاصة ، بل قد تكتشفين أنها تدفع بزوجكِ لتغيير مجموعة من الأمور ولا يهدأ لها بال إلا إذا سارت الأمور كما تشتهي ، ويصب هذا التصرف في غالب الأحيان من باب الغيرة الزائدة كون ابنها يهتم بزوجته ..
أما ماهو حاصل في يومنا هذا بعض من الأهالي الذين يتدخلون بصفة شخصية في حياة أبنائهم ، فيأمرون وينهون ويتجادلون ، وكأن أبنائهم ليس لهم وجود .. فيصطدمون مباشرة بالشريك الذي يضطر لمواجهة هذه العائلة في انتظار أن تستيقظ شخصية شريكِ حياته .. وهذا ماهو غير مطلوب وسلبي ، لأنه يولد مشاحنات سلبية الأسرة بغنى عنها .. ويكون تدخل الأهل ليس بمكانه ، حتى أنهم بفعلهم هذا يرسمون لخراب هذه الأسرة وشتاتها .
– كيفية التعامل مع هذه التدخلات ؟
تتوقف حدة هذه التدخلات وتأثيراتها على الحياة الزوجية على كيفية التعامل معها بمعية الزوجين رويداً رويداً .. فالأمر الأول الذي ينبغي على الزوجين الاتفاق عليه والالتزام به هو حصر جميع مشاكلهم بينهم دون أن يشعروا أو يشركوا الآخرين بها وأن يعملوا سوياً على إيجاد الحلول الملائمة إن كانت لا تحتاج تدخل من الأهل .. والأمر الثاني ينبغي على الزوجين التعامل بحكمة مع محاولات التدخل التي تأتي من قِبل العائلة ، على أن يحرص كل واحد منهما على إيصال رسائل لعائلته مفادها أن تدبير شؤونهما الخاصة هي من اختصاصهما ويكون دور الأهل في المراقبة والتصويب والسمع والطاعة لهم كون الأهل مروا بالتجربة سابقاً فأصبح عندهم خبرة ..
وإن حصلت مشكلة مع الزوجين ولم يستطيعوا حلها فيلجأوا إلى أحد الوالدين أو كبير عائلتهم الذي يثقون بخبرته وحكمته وإيجاد الحل المناسب للمشكلة .
تجربة حقيقية حصلت في زمننا هذا وليس بزمن بعيد احببت أن أنقلها لكم ، هي بضع من مقالة من تجربة الشعب الماليزي للحد من الطلاقات الكثيرة الحاصلة عندهم ، والطريقة الصحيحة التي اتبعوها ونجحوا بها ، وثمارها ظهرت بفترة ليس بطويلة ، نص المقالة – بتصرف – :
( تبنت الحكومة الماليزية ، إبان فترة رئيس الوزراء مهاتير محمد ، سياسة حازمة للحيلولة دون تفاقم مشكل الطلاق في صفوف الماليزيّين ، إذ مرّ المجتمع الماليزي ، الذي لا يزيد تعداد ساكنه عن 28 مليون نسمة ، من معاناة التفكك الأسري ، حيث بلغت نسبة الطلاق ذروتها في تسعينيات القرن الماضي ووصلت إلى حدّ 32% ، أي أن ضمن 100 زيجة هناك 32 تفشل ، ما حدا بالحكومة إلى إحداث ” رخصة الزواج ” ، التي بموجبها يلتزم كل طرف يرغب في الزواج من الجنسين بأن يخضعوا إلى دورات تدريبية متخصصة ، داخل معاهد خاصة ، يحصلون بعدها على رخصة تسمح لهم بعقد القران . فاستطاعت من خلال هذا المشروع أن تخفض نسبة الطلاق من 32% إلى أقل من 8% خلال السنوات العشر الأخيرة ) انتهى نص المقالة .
الحديث يطول في هذا الباب ، ولكن انتهى الوقت المخصص للمحاضرة ، نسأل الله تعالى التوفيق والسداد لكل المقبلين على الزواج ، وأن تكون حياتهم رغيدة سعيدة ملؤها الحب والوفاق .
على أمل اللقاء بكم بوافر الصحة وتمام العافية .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تمت والحمد لله رب العالمين
Reading your article helped me a lot and I agree with you. But I still have some doubts, can you clarify for me? I’ll keep an eye out for your answers.