بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم لا سهل إلا ماجعلته سهلا
إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلا
لا تكلنا لأتفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك
رحمتك نرجوا .. إن ربك هو الفتاح العليم
سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب .. وبعد :
الفن هي موهبة ولغة استنثنائيّة تتيح للفرد التعبير عن ذاته ، كترجمة الأحاسيس والصراعات التي تحدث في أعماقه الجوهرية ، ولا تعتبر نوعاً من التعبير عن متطلباته أو حاجاته في حياته العادية في بعض الأحيان ، على الرغم من اعتبار لبعض الباحثين والعلماء بان الفن عبارة عن ضرورة من ضروريات الحياة للإنسان كحاجته للطعام والماء .
ويعتبر الفن موهبة وإبداعاً وهبها الله تعالى لجميع البشر لكن بدرجات متفاوتة من شخص لآخر، ومن هنا لا نستطيع تصنيف جميع البشر على أنهم فنانين ، إلا من امتلك القدرة الإبداعيّة في إنتاج أمور تتضمن قيماً جمالية .
وللفن عدد من القيم وهي المهارة ، والحرفة ، والخبرة ، والإبداع ، والحدس ، والمحاكاة .
ويوجد ماهو خلف أو ماوراء الغاية من الفن بصورته المتجسدة سواءاً في لوحة أو زخرفة أو حتى في مجسم منحوت بالخشب أو الحجر ألا وهو تذوق لهذا الفن الصوري .. وليس أي تذوق وإنما التذوق الجمالي .
التذوق الجمالي قادر على تحويل الأشياء المادية الملموسة كالصورة ، إلى شعور وإحساس وعاطفة ، ويكون لكل متأمل وجهة نظر مختلفة في تحليل المحتوى الجمالي بحسب خبرته ونظرته الخاصة للأمور ، فمن لم يقم بتذوق الجمال في أبسط الأمور وأصغرها وتحليلها بذوق فني مرهف ، فهو كالأعمى الذي يقف أمام لوحة فنية عظيمة ، فهناك فرقاً واضحاً بين تلقي المعلومات من كتاب كعمل ملزم ، وبين تذوق الأفكار والاستمتاع بمحتواها وإعطاء النظرة الفنية والنقد الجمالي لها .
– الفنون المرئية / البصرية : هي مجموعة الفنون التي تهتم أساساً بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة على اختلاف الوسائط المُستخدمة في إنتاجها .
والفن بمختلف ألوانه ما هو إلا أداة تشكيلية تستند إلى تنسيق الواقع وتنظيمه وتحويله إلى صورة تجسيمية مبتكرة .
– يعد التذوق الجمالي نوع من الإدراك الجمالي المتقدم ، فهو يلبي حاجة هامة تطلبها الحواس تبدأ هذه العملية بتحليل المحتويات وتركيبها ، ويتصل التذوق بالمعنى في العمل الفني، وبمعنى العمل بعامة والصورة بخاصة الذي هو هذا الشيء الذي ينتجه المتذوق حين ينظر للصورة وليس ذاك الشيء الدفين أساساً في مخيلة الفنان بمعزل عن الناظر .
ثم يعلو الإدراك الحسي فيؤدي إلى كمال الخبرة الجمالية حتى تصل إلى البناء التركيبي ، والنقد الفني هو عملية متقدمة من التذوق الجمالي ، فيبدأ عند ملاحظة المتذوق لأبسط الأمور والتفاصيل حتى يصل إلى ما هو أشد تعقيد وتركيب ، ومن سمات النقد تفكيك أبسط الأجزاء وتفريقها واستقراء نتيجتها ، بالإضافة إلى الكشف عن سياق العملي الفني الماورائي الذي هو بالأصل حس الفنان الذي يريد التعبير عنه وإيصال رسالته تجسيداً بصورة .
– التذوق هو القدرة على إدراك الجماليات ونقدها ، ويعلمنا رؤية الأشياء بنشاط ، يعلمنا التفكير والإحساس بعيوننا وببقية حواسنا واستيعاب الخصائص الجمالية ، ويقوم المتلقي فيها بإتباع نفس أساليب الفنانين في التفكير والإحساس ، بداية من التوقف أمام الأعمال الجمالية والفنية وعزل الذات عن أي تشتيت لها ، وتركيز حاسة البصر في العمل مع استثارة الأحاسيس الكامنة والمشاعر التي ستقوم بعمليات عقلية تحليلية واستدلالية توصل العقل إلى أدلة وحدس فني ، مع زيادة الشعور بالوعي والإدراك والقدرة على فهم المحتوى وتحليله وتركيبه .
وقد يختلف المتلقي عن الفنان في القدرة عن التعبير بالألفاظ النقدية والعجز عن وصف إحساسه وشعوره تجاه المحتوى ، فضلاً عن عدم إعطاء تفسيرات واضحة عنه ، فمن الممكن أن يشترك المتلقي والفنان في نفس آليات العمل والتفكير ، ولكنهم حتماً يختلفون في طرق التعبير .
المتذوق + العمل الفني ( باختلاف نوعه ومشربه ) يعطي إدراك للجمال تذوق و استمتاع بما يحيطنا من جمال .
فالذوق وجدان حلاوة من التمني في رياض تروض الرضا ، وغايته الاستغناء في تصور معاني الحقائق ، فصفاء المعاملات يوجب الذوق ، والجمع لمعاملات الحياة هو الوجب لثبات هذا التعرّف ، فلا معرفة لميت ، ولا تكون المعرفة إلا بالجمع ، وحياة الجمع هي مداد الذوق .
فلا يتذوق طعم الجمال هؤلاء الذين تـَبـلـَّدت مشاعرهم وتعطلت لديهم حواسهم الإدراكية حتى ولو كانت في الظاهر غير معطلة أو غير معطوبة ، ولا يتذوق الجمال أيضاً هؤلاء الذين طحنتهم الحياة فعجنتهم في معتركها فهم يعملون الليل والنهار فمثل الواحد فيهم كترس الساعة الذي لا يتوقف عن العمل ، ليحصّل أعباء وأمور دنيوية لا قيمة لها .
وحتى هؤلاء الذين يتذوقون الجمال على درجات فيما بينهم كما هي نجوم السماء بين كبير وصغير وقريب وبعيد ، فليست كل نجوم السماء على نفس المستوى الواحد فلا تتشابه في أقطارها ولا في أحجامها ولا في هيئاتها ولا في قربها من الأرض .. وهكذا نحن في إدراك الجمال وفي تذوقه .
العلماء فقط هم الذين يعرفون خطر النجوم وروعتها أكثر من كلِ الناظرين إليها في تعجب .
عندما جاء الإسلام ناشراً نوراً وفكراً توحيدياً صرفاً مغيراً بذلك حقائق الإشراك والأغيار ، مرسياً حقائق توحيد القدس ، مبدعاً باعثاً لأنوار الأسرار ، ومغاليق صور الأكوان ، مؤسساً لحضارة كونية ، كان لابد أن يكون لنتاجه الفني ما يحمل هذا الطابع و هذه الحقائق .
و كون أن الفن كان دائماً مرتبطاً بمفهوم الجمال ، جاء الفن الإسلامي شاملاً كاملاً محيطاً بحياة المسلم و عوالمه ، فلم يكن الجمال أو الفن حكراً على طبقة معينه أو مجموعة مخصصة ، بل كان لكل المسلمين و بكل الاشكال ، فتنوعت أشكال الفن الإسلامي و تعددت صوره ، بدءاً من النقش على الحجر في العصر الحجري إلى الرسوم الجداري والفرسكي وإلى ماهنالك ..
ومن ثمرات فهم التذوق الجمالي للصورة مثلاً :
1- إدراك التفاصيل الجميلة في الأعمال المختلفة وعدم النظر إليها بطريقة روتينية وتقليدية ، بل تحسس جميع عناصر العمل الفني وإدراكه .
2- يعمل التذوق الجمالي على بناء فنان مبتكر يوظف الإبداع في أبسط أعماله ، وتقديم نماذج جمالية تقدرها الأجيال وتخلدها عبر التاريخ .
3- يساعد النقد الفني على ربط حلقة وصل بين الشخص القائم بالأعمال الفنية وبين متلقيها .
4- معرفة مدى تأثير الأعمال الفنية في المتلقيين عن طريق مراقبة ردود فعلهم السريعة عن إدراكها .
5- يعمل التذوق الفني والنقد الجمالي على إيجاد حلقات وصل وربط وثيقة بين الشخص القائم بالأعمال الفنية وبين المجتمع الذي يتلقاها ، ومعرفة مدى تأثير تلك الأعمال في المجتمع ، ومن خلال ذلك يستطيع القائم بالأعمال من تطوير محتواه الفني وتقديم كل ماهو مميز .
تمت والحمد لله رب العالمين