تحليل اسم سورة الكهف

من خلاصات العلوم الكشفية

– محاضرة : تحليل اسم سورة الكهف

– المحاضر : د. سناء صبري

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : FG – Group Academy -Turkey


بسم الله الرحمن الرحيم ..

والحمد لله رب العالمين ..

مَن تقدَّست أسماؤه وعَلَت صفات ذاته ..

وكانت حروفه مُوصِلاتٍ كونية لإرادته الإلهية الأزلية الأبدية ..

وبقُدرة حتمية ..

سبحان الحيّ القيوم العليم أبداً ..

والصلاة والسلام على سيدنا محمد

مَظْهَر أم الكتاب سر لباب الذات الكامل التام الأشرف وعلى آله و صحبه ومحبيه ..

أهلاً بكم جميعاً في فعاليات مهرجان علوم القدرات النورانية ..

حيث قدمنا لكم خلاله العديد من القدرات المتفوقة وعلومها ..

فأهلاً بكم جميعاً في أمسيتنا لهذا اليوم في هذا الحدث النوراني المميز ..

حيث أننا في بحور القدرات النورانية وعلومها الخاصة ..

وبالتالي فمحطتنا اليوم مع القدرات الكشفية .

لقد رأينا ودرسنا في الأمسيات السابقة تأثيرات الحروف وطاقاتها على أسماء الأشخاص ..

وكيف تتميز وتظهر شخصياتهم جرّاء ذلك .

لكن هكذا حدث مميز يتطلب تحليلات مميزة ..

لذلك سأكون معكم في الدقائق القادمة لنتحدّث عن ( سورة الكهف )

وحروف سورة الكهف .

حيث سنقوم بتحليل اسم السورة

ثم نراقب ذلك التحليل كيف هو مفصل في قلب السورة ..

تحليل اسم السورة : الكهف

نجد من خلال تحليل الحروف أنّ :

من صفات سورة الكهف التنوع والخصوبة كما سوف نرى هذا التنوع كيف ظهر في مواضيع السورة وأسلوب الخطاب .

من الصفات التي ظهرت في موضوع السورة صفة الخلافة .

نجد أن السورة عوالمها ظاهرة بما تحتويه من معاني وأسرار .

أظهرت آيات سورة الكهف كثير من المواقف التي أشارت إلى الإيجابية .

من الصفات التي ظهرت معنا من خلال تحليل اسم السورة صفة المحبة .

أشارت آيات سورة الكهف أيضاً إلى مواقف ومشاهد دلت على صفة الصبر .

تشير الآيات الكريمة أيضاً إلى أشكال من الامتحانات والاختبارات .

ظهرت في آياتها أيضاً مشاهد وصور تشير إلى الغرور .

أشارت آيات السورة إلى مجموعة من القدرات ومنها قدرة خاصة وهي قدرة الإخفاء .

من عوالم السورة الخاصة أنها تحتوي على مجموعة من القوى المهيمنة .

أشارت الآيات إلى مشاهد دلت على أشكال من التوهم .

لسورة الكهف ظهور ذاتي خاص بها تميزت به عن باقي السور .

كان هذا أعزائي بعض من صفات اسم سورة الكهف ..

والآن سوف نراقب معاً هذا التحليل كيف هو مفصل في قلب السورة ..

– من صفات السورة الكهف التنوع والخصوبة في المواضيع وتنوع أسلوب الخطاب فيها .

تناولت السورة عدة مواضيع ، منها التحذير من الفتن ، وحث النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الصبر والتبشير والإنذار ، وذكر بعض مشاهد يوم القيامة والعذاب والنعيم ، كما تناولت خمس قصص مختلفة عن القصص التي تعرضها السور الأخرى ، إذ أن السور الأخرى من القرءان غالب القصص التي فيها هي قصص الأنبياء مع قومهم ، أما القصص التي في سورة الكهف : قصة الفتية أصحاب الكهف ، قصة صاحب الجنتين ، قصة سيدنا موسى والخضر عليهم السلام ، قصة ذي القرنين عليه السلام ، بالإضافة إلى ذكر قصة أمر الملائكة بالسجود لسيدنا آدم عليه السلام ، واستكبار إبليس .

– من أهم الصفات التي تحدثنا عنها بتحليل اسم سورة الكهف ( صفة الخلافة ) :

ومن خلال دراستنا لآيات السورة وجدنا هذه الصفة في أكثر من موضع .

قال تعالى :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا {1} سورة الكهف ، أنزل الله سبحانه وتعالى القرءان الكريم على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكان خليفة الله تعالى في الأرض فحمل الرسالة فسار في الأرض يُعَلم الناس ويدعوا إلى عبادة الله تعالى وحده ، فعمل على نشر الدعوة وتبليغ الرسالة .

كما تحدثت الآيات أيضاً عن خلافة سيدنا آدم عليه السلام :

قال تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلً {50} سورة الكهف .

أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لآدم ، تحية له لا عبادة ، وأمر إبليس بما أُمِروا به ، فسجد الملائكة جميعاً ، لكن إبليس الذي كان من الجن خرج عن طاعة ربه ، ولم يسجد كِبراً وحسداً ، فقد أعلن الله سبحانه وتعالى بخلافة سيدنا آدم عليه السلام في الأرض .

كما تحدثت الآيات الكريمة أيضاً عن ذي القرنين عليه السلام :

قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا {83} إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا {84} سورة الكهف .

يقول الله تعالى إنا مكَّنَّا له في الأرض ، وآتيناه من كل شيء أسباباً وطرقاً ، يتوصل بها إلى ما يريد مِن فَتْح المدائن وقهر الأعداء وغير ذلك .

وذكرت أيضاً خلافة سيدنا الخضر عليه السلام :

قال تعالى : { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا {65} سورة الكهف .

فوجدا هناك عبداً صالحاً من عبادنا هو الخَضِر عليه السلام آتيناه رحمة من عندنا ، وعَلَّمْناه مِن لدنَّا علماً عظيماً .

– أشارت الآيات الكريمة إلى مواقف فيها غرور .

ولعلنا وجدنا هذه الصفة التي أشارت إليها الآيات في قصة صاحب الجنتين ..

وتتحدث القصة عن رجلين كانا يعيشان في قرية واحدة ، كان أحدهما فقير ولكنه مؤمن بالله تعالى وتقي وراضي بما قسمه الله تعالى له ..

وكان الآخر غنياً وهبه الله تعالى جنتين كبيرتين بهما كل ما تشتهي الأنفس من زروع ونخل وفاكهة وأعناب وأنهار ..

ولكنه كان منكر لنعم الله عز وجل عليه ومغروراً بما أتاه الله تعالى .

وفي يوم من الأيام أخذ الرجل الغني الرجل الفقير إلى حديقته وهو يتباهى ويتفاخر بما يملك وليس بما آتاه الله تعالى ..

فاغتر بماله وملكه ..

فقال له الفقير : لا تتكلم هكذا ، بل أحمد الله تعالى وأشكره على نعمه ..

قال له : لا تكمل كلامك ، ولم يقتنع بكلام الرجل التقي ، بل ازداد شحاً و بخلاً ..

ثم في يوم ذهب هذا الغني إلى حديقته فوجدها أرض خراب وأُصيب بصدمة لما رآه ..

وظل يقلب كفيه متعجباً كيف حدث هذا ، وندم أشد الندم على ما كان يقول ، وعلى نكرانه لنعم الله تعالى عليه ..

وأصبح يتمنى لو كان أنفق ماله في مرضاة الله تعالى وتواضع منذ البداية .

من الصفات التي تحدثنا عنها أيضا بتحليل اسم السورة صفة الصبر .

ولعل هذه الصفة ظهرت جلية في قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام حيث لم يستطع الصبر على ما كان يحدث من سيدنا الخضر عليه السلام خلال صحبته معه ..

قال تعالى : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} سورة الكهف .

أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن يذهب إلى شخص أعلم منه ليتعلم منه ، فذهب سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام للقائه والتعلم منه كما أمره الله سبحانه وتعالى ..

وأعطى الله تعالى سيدنا موسى عليه السلام إشارة والتي كانت حياة السمك المطبوخ وسباحته في البحر .

وبالفعل وجد سيدنا موسى الخضر وأراد أن يعلمه ولكنه قال إنه لن يصبر على ما سيراه ، لأنه لا يعلم السبب وراءه .

ولكن سيدنا موسى عليه السلام أخبره أنه سيكون صابراً إن شاء الله وسيطيعه في كل شيء ..

وكان شرط سيدنا الخضر وقتها ألا يسأله سيدنا موسى عن أي شيء ، انطلقا معاً ومرا على ثلاثة مواضع ذكرت في سورة الكهف بشكل دقيق ولكن سيدنا موسى عليه السلام في كل مرة لم يتبين الحكمة في أفعاله ، وإنما أخذ بظاهرها فقط ، ولم يصبر على ما فعله سيدنا الخضر ..

ولكن عندما أخبره سيدنا الخضر بالأسباب في النهاية عرف سيدنا موسى الحكمة من كل ذلك .

من الصفات التي تحدثنا عنها أيضا في تحليل اسم السورة طاقة الاخفاء .

قال تعالى : { فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا {11} سورة الكهف .

ولعل هذه الصفة من الصفات التي تميزت بها السورة وهي تمثلت في قصة أصحاب الكهف

فتبدأ سورة الكهف بأول قصة ، وهي ” قصة أصحاب الكهف ” حيث تستعرض الآيات قصة فتية في قريةٍ ما .. في زمان ومكان غير معروفين حيث كان أهل هذه القرية وملكها يعبدون الأصنام آلهة أخرى من دون الله تعالى عز وجل ، وضاق هؤلاء الفتية المؤمنون بالقرية وأهلها ، فأووا إلى كهف خوفاً من بطش الملك بهم .. وملأ الله تعالى قلوبهم بالنور والإيمان والحكمة وكان مكاناً لعبادتهم .

فكان في الكهف طاقة الخفاء فقد مكثوا فيه كل هذه السنين فلم يراهم أحدا بقدرة من الله سبحانه وتعالى ..

وهنا حدثت المعجزة الكبرى حيث ظل هؤلاء الفتية وكلبهم نائمين في هذا الكهف مدة وصلت إلى ثلاثة مائة وتسع سنة ..

يقلبهم الله تعالى يميناً و يساراً ومعهم كلبهم إلى أن أذِن الله تعالى لهم واستيقظوا ، وعندما استيقظوا قال بعضهم أنهم مكثوا يوماً أو بعض يوم ، وبعثوا أحدهم كي يشتري لهم الطعام وهناك كانت المفاجأة الكبرى حيث تغير كل شيء ..

القرية وأهلها والحاكم الظالم الذي كان يهددهم بالقتل إن لم يعودوا عن دينهم وأصبحت القرية كلها

على التوحيد ، ونظر أهل القرية إلى الفتى متعجبين من هيئته والنقود التي بحوزته .

أشارت الآيات الكريمة إلى مواقف فيها أوهام .

قال تعالى : { وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا {35} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا {36} سورة الكهف .

أشارت الآية هنا إلى الوهم الذي عاش فيه صاحب الجنتين ، وذلك عندما أعجبه ثمار جنتيه وقال :

ما أعتقد أن تَهْلِك هذه الجنة مدى الحياة ، وما أعتقد أن القيامة واقعة .

كما اشارت الآيات هنا إلى نوع آخر من الوهم وهو نوع خطير جداً يصيب مدعي الإيمان بدون علم وبدون أن يكون لهم هاد يدلهم على الطريق .

قال تعالى : { الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {107} سورة الكهف .

وهم الذين ضلَّ عملهم في الحياة الدنيا وهم مشركون ممن ضلَّ سواء السبيل ، فلم يكن على هدى ولا صواب – وهم يظنون أنهم محسنون في أعمالهم .

وهذا النوع من الوهم يقع فيه كتير من الناس ولعل النجاة منه لا تصح كما علمنا الله سبحانه وتعالى إلا بالاتباع كما رأينا في هذه السورة من خلال قصة سيدنا موسى عليه السلام فهو نبي مرسل من عند الله تعالى ولكن الله سبحانه وتعالى أمره باتباع من يرشده إلى الطريق الصحيح وهو سيدنا الخضر عليه السلام .

من الصفات التي أشارت إليها الآيات أيضا صفة المحبة .

قال تعالى : { قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا {2} مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا {3} سورة الكهف .

أشارت الآيات هنا إلى محبة عظيمة خصنا الله سبحانه وتعالى بها نحن البشر عن سائر المخلوقات فقد أنزل الله تعالى القرءان الكريم .

وجعله الله عز وجل كتاباً مستقيماً ، لا اختلاف فيه ولا تناقض ؛ لينذر الكافرين من عذاب شديد من عنده ، ويبشر المصدقين بالله تعالى ورسوله الذين يعملون الأعمال الصالحات ، بأن لهم ثواباً جزيلاً هو الجنة ، يقيمون في هذا النعيم لا يفارقونه أبداً ..

فالقرءان الكريم دستور الحب من الله عز وجل ، أنزله على بني آدم  يتعبدون به تقرباً وحباً لله عز وجل ، فخصهم بعوالم حبه عن سائر العالمين .

أشارت الآيات الكريمة إلى مجموعة من القوى المهيمنة .

قال تعالى : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا {18} سورة الكهف .

يقول الله سبحانه وتعالى وتظن – أيها الناظر – أهل الكهف أيقاظاً ، وهم في الواقع نيام ، ونتعهدهم بالرعاية ، فنُقَلِّبهم حال نومهم مرة للجنب الأيمن ومرة للجنب الأيسر ؛ لئلا تأكلهم الأرض ، وكلبهم الذي صاحَبهم مادّاٌ ذراعيه بفناء الكهف ، لو عاينتهم لأدبرت عنهم هارباً ، ولَمُلِئَتْ نفسك منهم فزعاً ..

فقد شملتهم تلك القوة المهيمنة التي تجلى الله تعالى بها عليهم وإحاطتهم برعايته وحفظه كل هذه السنين ، فكان لروح المكان وزمان تلك الطاقة المهيمنة من الله سبحانه وتعالى ..

وهناك شكل آخر من اشكال هذه القوة المهيمنة في الآية التالية :

قال تعالى : { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا {109} سورة الكهف .

قل – أيها الرسول – : لو كان ماء البحر حبراً للأقلام التي يكتب بها كلام الله تعالى ، لنفِد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات الله تعالى ، ولو جئنا بمثل البحر بحاراً أخرى مدداً له ، وفي الآية قوى مهيمنة من صفة الكلام الإلهي حقيقة كما يليق بجلاله وكماله .

ومن القوى المهيمنة في عالم الجمع  .

قال تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا {99} سورة الكهف .

« وتركنا بعضهم يومئذ » يوم خروجهم « يموج في بعض » يختلط به لكثرتهم « ونفخ في الصور » أي القرن للبعث « فجمعناهم » أي الخلائق في مكان واحد يوم القيامة « جمعاً » .

وجدنا هنا قوى مهيمنة عظيمة تجمع كل الخلاق من بدأ الكون في مكان وزمان واحد بأمر ربهم بواسطة الملك اسرافيل عليه السلام وهي قوة النفخة الجامعة لكل الخلائق .

كما اشارت هذه الآية أيضاً إلى شكل من اشكال هذه القوى المهيمنة .

قال تعالى : { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا {47} سورة الكهف .

وجدنا هنا قوى حركية هيمنت على الخلاق جميعاً فلم يتبقى منهم أحداً ..

وذلك يوم يزيل الله تعالى الجبال عن أماكنها ، وتبصر الأرض ظاهرة ، ليس عليها ما يسترها مما كان عليها من المخلوقات ، وجمع الأولين والآخِرين لموقف الحساب ، فلم يترك منهم أحداً .

– من صفات سورة الكهف أيضا أنها أشارت إلى مواقف فيها إيجابية .

ظهرت الإيجابية في شخصيات قصص سورة الكهف التي تحدثت عن شخصيات إيجابية متحركة في مجال الدعوة إلى الله تعالى ، حيث تحدثت عن مجموعة من الشباب آمنوا بربهم فكانوا إيجابيين دعوا قومهم إلى الله تعالى ، فالحقهم الملك ليفتنهم في دينهم ، ففروا إلى الله تعالى فحفظهم وجعل منهم آية .

كما تحدث السورة عن نبي الله موسى عليه السلام .

الذي كان إيجابياً حقاً فصاحب الرجل الصالح الخضر متعلما منه بكل أدب ، فانطلقا وتحركا فحصل معهما عدة أحداث تبدو من خلالها  الإيجابية بشكل واضح ، تحدثت السورة عن الملك الصالح ذي القرنين الذي كان إيجابياً فجاب مشارق الأرض ومغاربها يدعو إلى الله تعالى ناصحاً وحاكماً عادلاً .

من الصفات التي تحدثنا عنها بتحليل اسم السورة قلنا أن السورة لها ( ظهور ذاتي ) .

فكان لسورة الكهف ظهور نوراني لمن يقرأها .

وقد وردت الكثير من الأحاديث التي تدلّ على ذلك ؛ منها : ما ورد عن أبي سعيد الخُدريّ – رضي الله تعالى عنه – أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام والآل قال : ” مَنْ قرأَ سورةَ الكهفِ كما أُنْزِلَتْ كانَتْ لهُ نُورًا يومَ القيامةِ ، من مَقَامِهِ إلى مكةَ ، و مَنْ قرأَ عشرَ آيات  من آخِرِها ثُمَّ خرجَ الدَّجَّالُ لمْ يَضُرَّهُ ” .

وما أخرجه السيوطيّ في الجامع الصغير : ” من قرأ سورةَ الكهفِ يومَ الجمعةِ أضاء له النُّورُ ما بينَه وبين البيتِ العتيقِ ” .

 وسورة الكهف نورٌ بين الجُمعتين ، كما ورد عن أبي سعيد الخدريّ – رضي الله تعالى عنه – : ” من قرأ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ ، أضاء له من النورِ ما بين الجمُعتَينِ ” .

سورة الكهف نورٌ يُضيء للمسلم طريق الهداية ، فهي تكفّ المسلم عن المعاصي والآثام ، وتُرشده إلى طريق الخير والصواب ، وقد تكون نوراً حقيقياً حسيّاً ،

سورة الكهف تحمي وتقي قارئها ، وتحفظه من فتنة المسيح الدجّال ، وذلك بحفظه لأوّل عشر آياتٍ منها ، وقد وردت العديد من الأحاديث التي تؤكّد ذلك ؛ منها : ما ورد عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام والآل قال : ” مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ ” .

وما أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه بحديثٍ طويلٍ يتعلّق بالدجّال : ” فمَن أَدْرَكَهُ مِنكُمْ، فَلْيَقْرَأْ عليه فَوَاتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ ” .

سورة الكهف في الحقيقة كلها نور ، فهي نور في ذاتها وهي نور لمن يتبعها ويتبع ما فيها من حكم وعلوم وهي نور لمن يقرأها وهي نور في الدنيا ونور في الآخرة .

من الصفات التي أشارت إليها آيات سورة الكهف صفة الامتحانات .

فقد أشارت السورة لعدد من الامتحانات بصور عديدة منها :

– امتحان الفتية إذا نجحوا بالامتحان حينما فضلوا الهروب بدينهم من الظلم والشرك .

– امتحان إبليس الذي فشل فيه عندما رفض الأمر الإلهي بالسجود لسيدنا آدم عليه السلام .

– امتحان سيدنا موسى عليه السلام مع سيدنا الخضر وكيف تعلم منه الكثير من العلوم والصبر .

– امتحان الجنتين أحدهما فاز بتوكله على الله تعالى والآخر خسر امتحانه بالتكبر والتيه والعجب .

– أشارت أيضاً إلى امتحان الإنسان بشكل عام ، فإذا اتبع ولياً مرشداً فهو يسير في طريق الحق ، إذا لم يتبع ولياً مرشداً سار في الضلال .

وفي الحقيقة أن القصص التي وردت في السورة كلها امتحانات وتعليم لنا كيف نتجاوز هذه الامتحانات بنجاح .

وحقيقة النجاح تكون بإخلاص القلب وحسن الاتباع .. كما علمنا الله عز وجل من بحور نور هذه السورة .

في سورة الكهف الكثير الكثير من المعاني والصفات وكلما ابحرنا في أعماق حروفها ومكنوناتها نجد الكثير الوفير ..

ولكن هذا ما قسم لنا به الحق لهذا اليوم وما سمح لنا به وارد الوقت ..

فالحمد الله رب العالمين .

أشكر الله سبحانه وتعالى أن علمنا من علمه وفتح لنا بهذه العلوم القرآنية اللدنية الشريفة ..

كما أشكر معلمي ومرشدي علامة الديار الشامية الشيخ د.هانيبال يوسف حرب الذي منحني هذه الفرصة وعلمني مما أعطاه الله سبحانه وتعالى ، والشكر والتقدير له على كل ما أعطى وعلم جزاه الله عنا كل خير وحب ..

فالحمد والشكر وتحديثاً بنعمة الله تعالى عليَّ فأنا أعيش بها جنتي على الأرض ، وإن شاء الله سوف أحيا بها في جنتي في ملكوت الرب بقدراتها الفائقة البديعة .

أشكر حضوركم الكريم ومتابعتكم الجميلة اللطيفة .


تمت والحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى