الطلاق العاطفي
2023-08-08
0 1 7 دقائق
– محاضرة : الطلاق العاطفي
– المحاضر : أ. نور هرشو
– المحاضرة : نصية
– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً
إنك تجعل الحزن إذا شئت سهلاً سهلاً
لاتكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك
رحمتك نرجو إن ربك هو الفتاح العليم
سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب وبعد :
– مقدمة :
اسمى ما تحدث عنه الشرع هو الزواج والألفة والمودة بين الزوجين وكثير ما حدثنا إسلامنا الحنيف عن الزواج ومتطلباته وما هي واجبات الزوجة والزوج في الأسرة وكيف تكون علاقتهم ببعضهم وأهمية كل منهما في بناء أسرة سليمة ناضجة ومثالية .
كثير من الناس يظن أن الزواج لا يقوم على العاطفة ولا يتطلب عاطفة بل هي منهج تقليدي على ما ألفوا عليه أُسرهم !!!
ها هو قرءاننا الكريم يحدّثنا عن الزواج فأتى بها بالحب والمودة فإن الحياة الزوجية في قرءاننا مبنية على الاحترام والعاطفة المتبادلة بين الزوجين قال حبيبنا الله في كتابه الكريم : بسم الله الرحمن الرحيم { ومِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21} سورة الروم .
فالقرءان الكريم يبين لنا أن الرحمة والمودة هي أساس بناء الأسرة ودوام العشرة بينهما ..
فمعنى المودة والرحمة : هي المحبة والرقة والعطف فمتى ما سكنوا إلى بعضهما تغذت أرواحهما بكل الحب والعاطفة ، وفي آيات أخرى عن السكينة بين الزوجين قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا {189} سورة الأعراف .
فمن أسس حياته الزوجية على أسس صحيحة ضمن ضوابط القرءان الكريم والسنة الشريفة عاش عيشة هنية راضية .
مع كثرة تغيب الكثير الكثير عن الدين الصحيح واحكامه الحقة ظهرت المشكلات وظهرت الخلافات الزوجية الكثيرة وكثرت الشكوى .. إما زوج لا يتقى الله تعالى ولا يعلم حدوده وإما زوجة تخرج عن شرع الله تعالى ولا تتقي الله في زوجها وتكثر الشكوى وعدم الرضا وتبدأ حياتهم بالعيشة الضنكة .
الزواج علاقة مقدسة بين الرجل والمرأة ، ومثل باقي الأمور في الحياة التي تتعرض إلى تغيرات ، حيث تتعرض العلاقة الزوجية إلى كثير من التغييرات فإما أن تكون هذه التغيرات إيجابية فتزداد المحبة والود بين الزوجين ، أو سلبية تؤثر على حياتهما في تماسك الأسرة وتبدأ كثير من الأمراض بالتغلغل في جسد هذه العلاقة ، وتضعف لغة التواصل والحوار بين الزوجين ، ولا يجدان أمامهما سوى خيارين إما الطلاق الشرعي ، أو الطلاق العاطفي الذي يعد أكثر خطورة ، وأشدها ألماً ، لكون الشريكين يعيشان معاً في بيت واحد دون أي مشاعر او حتى كلام بينهم .
– تعريف الطلاق العاطفي :
هو حالة انفصال بين زوجين يعيشان مع بعضهما البعض في بيت واحد انفصالاً جسدياً ونفسياً وعقلياً وروحياً ويقومان كلا الزوجين مع قيام كلا الزوجين بواجباتهما الزوجية وهذا النوع من الطلاق هو طلاق ينقصه طلاقاً شرعياً .. فيعتبر هذا الزواج زواج منتهي الصلاحية إلى الشفاء منها ، وهو علاقة زوجية ميتة انطفأت فيها مشاعر الحب والمودة وفُقد بينهم الإحساس والمشاعر ولكنها استمرت لسبب ما ربما الأطفال أو الحفاظ على شكلهم الاجتماعي أمام المجتمع والعائلة فيجبروا على الاستمرار في تلك العلاقة متعايشين في جو من الحزن وعدم السعادة .
– مظاهر الطلاق العاطفي :
عندما تخلو الحياة الزوجية من التجديد وتسير على نحو روتيني يتسرب الملل إلى حياتهم شيئاً فشيئا وتتفاقم مظاهر عدم الارتياح كلاً من الآخر ورمي المسؤوليات على الطرف الآخر ..
وتتغيب البهجة والمودة ويسود الكآبة والنكد ..
وبدلاً من وجود السكينة نرى التضجر والتنافر ويغيب الحديث ويعم الصمت القاتل بينهم
ويؤثر على العلاقة الجنسية بينهم والإحساس بالبرود تجاه بعضهم فيفكروا بالطلاق .
يمر الزوجان بعدة مراحل قبل حدوث علامات الهجران والطلاق العاطفي .
– مرحلة فقدان الثقة :
الثقة شيء مهم وضروري في العلاقات الزوجية وبغياب الثقة وتزعزعها تتغيب السعادة بينهما ويفقد أحد الأطراف شعوره بالأمان وتهتز صورة الطرف الثاني في نظره .
– مرحلة الفتور :
في هذه المرحلة يفتر الحب وينعدم ولا يبقى سوى العتاب واللوم على كل تفصيله .
– مرحلة الأنانية :
وهنا يبدأ كلا الطرفين في التفكير في أنفسهما ومصلحتهما فقط بشكل شخصي دون الالتفات للطرف الآخر فتتدمر قواعد الحياة المشتركة والسعادة الأسرية .
– الصمت :
الصمت الزوجي مرحلة تزيد بها نسبة الفتور بين الطرفين بعد التوقف عن التحدث تماماً بين الزوجين وتنتهي فيها المشاعر الودية ويرى أحد الأطراف أنه لا جدوى من الآخر إطلاقاً .
عندما تسود الخلافات بشكل متكرر ويومي على أي تفصيله كانت في الحياة الزوجية كطريقة تربية الأطفال أو طريقة العمل في المنزل أو نقد مستمر على عادات أحد الطرفين وغيرها ويرى الطرفين عدم وجود أي طريقة مشتركة بينهما للتفاهم فهذه المرحلة تكون مليئة بالمشاجرات ومشحونة بالتنافر وليس لديك الرغبة في مشاركة شريكك أو السماع عن يومه ووجدت شريك حياتك لا يطلب منك شيئاً أو لا يعتمد عليك في مساعدته وتوقف عن اللجوء إليك أو طلب مساعدتك في أموره الخاصة ، فمعنى ذلك شعوره بالوحدة ، وبأنك أصبحت غريباً لديه ، ويعني ذلك أن هناك مشكلة حقيقة وفتوراً كبيراً في العلاقة .
ويصبح أي تواصل بينهم مؤلم وكلماتهم جارحة إما ناقدة أو مستهزئة فيتعالى ألم الحياة الزوجية ويتراكم ، وتتراكم الشحنات السلبية وتزداد الذكريات السيئة وتسري أمراضاً في أجساد كلاً من الطرفين .. فلا نظن أن هذه الشِجارات التي تحدث تمشي سدى بل هي ذكرى تلو ذكرى وتشوه عالم الذكريات .
في قصة قصيرة لسيدة تعاني من الطلاق العاطفي تقول : عندما يأتي زوجي للمنزل اشعر وكأن غمام أسود اعتل المكان وكنت أتمنى أن لا يأتي المنزل لأني بمجرد أن اراه اشعر بالكآبة الشديدة والحزن وأشعر بألم في معدتي وإذا عاشرني كنت اشعر وكأنني مغتصبة وابكي وأعاني من آلم متعددة ..
تتولد مشاعر الانتقام والغضب إذا كان أحد الأطراف مظلوماً فيتمنى هذا الطرف لو أن الطرف الآخر يختفي أو يموت أو يمرض حتى يتخلص من مشاعره التي تؤلمه تجاه الطرف المؤذي بحقه ، فالطرف المتضرر لم يعد قادراً على التذمر فيشعر بالإجهاد وأنه غير قادر على فعل أي شيء وأنه فقط يحتاج لأن يرتاح في مكان هادئ بعيداً عن كل البشر ، يريد حالة من السكون أو الصمت المطلق .
موت المشاعر وغياب الحميمية فيها يُفقد كل طرف إحساسه بالآخر ولم يعد يشعر به وبوجوده وغير مهتم له .
إذا كنت لا تتذكر آخر مرة شعرت فيها بالحميمية مع شريك حياتك فأنت في حالة صمت مطبق بتباعد كبير بينك وبين شريكك فتلك مشكلة يجب أن تنتبه لها .
– أسباب ظهور الطلاق العاطفي :
تغيب الأساس الشرعي في بناء الأسرة هي أهم الأسباب لأن يكون انفصال عاطفي بين الزوجين ربما أحد الزوجين أو كلاهما لا يُحكِّم الشرع في حياتهم وتربيتهم الأسرية لا يكون الشرع مرجعه لحل مشكلاته وخلافاته .. يعتقدون في بداية الزواج أن مركبهم يمشي بدون علوم شرعية مرجعية تجيبهم على كل مطب يقعوا به ..
ربما تنجح علاقة زوجية بجهلها لكن بعيدة كل البعد عن الوعي والفهم فينشأ جيل بعقده الاجتماعية وسذاجته وأمراضه الموروثة ..
فإذا كانت المرأة جاهلة بالدين وما يطلبه الشرع أن تقوم به تجاه زوجها نراها كثيرة النكد أو ربما كثيرة التأفف وربما مقصرة في التزيَّن له والاهتمام بالأبناء طوال الوقت حتى يأخذوا كل وقتها بالكمال فتنسى أنها زوجة ولها حقوق تجاه زوجها ..
فيُكثر الزوج النزوات والخيانة ولا يحفظ بيته ولا يصون زوجته ويفضل الحرام حتى يرى ما يسر نظره ويملي عواطفه التي لا يجدها في زوجته ..
وربما تكون مسرفة جداً لا تراعي مصلحة الأسرة ولا تخاف الله تعالى في زوجها ..
وكثيرة هي الخلافات التي تولد نفور عاطفي بين الزوجين بسبب سوء إدارة الزوجة لمتطلبات المنزل ومصروفه فتزداد الخلافات بسبب كثرة الطلبات وتحميل الزوج فوق طاقته ..
أو سوء تربيتها للأبناء لأنها هي تربت في بيئة مهملة للشرع وقوانين الأسرة فينشأ الجفاف العاطفي في الأسرة وينتقل للأبناء وهكذا ..
ولا يتوقف الدور على الزوجة فحسب بل أيضاً للزوج حقوق لزوجته وأسرته ، ربما يكون مشغول كل الوقت بعمله وبخيل بمشاعره وعاطفته لزوجته .. كثير الصمت ، قليل التحاور لا يتكلم مع زوجته ولا يرى واجباته الزوجية تجاهها بحجة تأمين عيشة هنية لها ولأبنائها لكن لا يعلم أنه ببعده يفقد شغف زوجته ويحيطها بالألم بسبب انشغاله الدائم دون مراعاة حقوقها .
والأسباب الأخرى للطلاق العاطفي هو اختلاف في العادات وقلة الاهتمام وتدخل الأهل في حياتهم الشخصية حتى غابت الخصوصية وأصبحت تفاصيل حياتهم الزوجية عرضة للأهل وتدخلهم المستمر .
ولا بد من ذكر شيء مهم أن كثرة الخلافات وتكرراها وعدم التآلف والانسجام بين الطرفين سيؤدي إلى الطلاق .. لكن كثير من النساء تخاف نظرات المجتمع للمرأة المطلقة ولا تحب أن تضع نفسها للقيل والقال والاتهامات فتفضل البقاء معه بطلاق عاطفي .
– تأثير الطلاق العاطفي على الأطفال :
يؤثر الطلاق العاطفي على الأطفال فيفقدهم الود بالتعامل وكثرة الحدة والقسوة ورفض التواصل مع الآخرين .
ينشأ الطفل بفراغ عاطفي ويؤثر سلباً بعلاقته مع أصدقائه واخوته وربما يذهب به مستقبلاً للعيش بنمط حياة مثل أبويه جاف ولا يوجد به عاطفة .
الأطفال يبنون حياتهم وفق ما تربوا عليه فكثرة الخلافات المستمرة بين الآباء تدمر الأطفال وتضعف شخصيتهم وتجعلهم عدوانيين ومنعزلين وينظرون للحياة نظرة سلبية .
كما لكل شيء صعوبة فإن للطلاق العاطفي صعوبات وقد يأخذ التكييف مع الحياة ما بعد الطلاق العاطفي وقت ربما أسابيع وربما سنوات فيشعر الإنسان بهذا الوقت بمشاعر تعرضه للإصابات بأمراض عديدة واحياناً اكتئابات تحدث بسبب الطلاق مختلفة عن الاكتئاب المرضي وربما يصحبها أيضاً تجنب الناس والعائلة والأصدقاء وأداء ضعيف في إنجاز العمل بسبب نقص التركيز ..
يجب أن نقوم بإعطاء مشاعر حب للشخص المنفصل عاطفياً ونراعي مشاعره وجرحه فالشخص في هذه المرحلة يعاني من خسارة فادحة ، ويفتقد أسلوب حياته التي اعتاد عليه ، فالتغيير ليس سهلاً .
الشعور بالتعب والحزن والغضب هي كلها مشاعر طبيعية فاسمح لنفسك أن تشعر بها مع الانتباه إلى عدم تطويل المدة والتذكر الدائم بأن ما سياتي خيراً مما سبق يقيناً وثقة بالله تعالى ..
شارك الآخرين ما تشعر به وتواصل مع الأصدقاء من أجل أن تأخذ الدعم القوي للمضي قدماً فالتواصل مع الغير يحد من قسوة الأمر .
– كيف اتخلص من الطلاق العاطفي :
الطلاق العاطفي هو نتيجة تراكمات وعدم فهم شاعر كلاً للآخر فمن المهم جداً أن يفهم كل شخص مشاعره نحو شريك حياته لأن المشاعر لا تختفي في لحظات ..
فليس بمجرد الشعور بالغصب والعصبية والإحساس باليأس أن تتدمر حياة عاطفية بين الزوجين بل عليهم التعامل معها والنظر إلى ما هو مرضي بينهم وما هو الشيء الغير مرضي وحل مشكلاتهم لنجاح علاقتهم وتقدير كلاً منهما للأعمال التي يقدمها الشريك وشكره عليها والاهتمام بإيجابياته والامتنان منه لغرض تعزيزها ..
احترام بعضهم والابتعاد عن الكلام المهين مهما يكن بسيطاً ومنحه الاهتمام اللازم ..
ويجب أن يكون الزوجان صادقان مع بعضهما من أجل حل مشكلاتهم ولا يأتي أحدهما على نفسه لإرضاء الآخر بل إيجاد الحل المناسب لكليهما ..
ودائماً يجب أن يكون هناك مرجع لكل منهما كـولي مرشد يساعدهما في حل المستعصي عليهم بحياتهم ويساعدهما على التصالح بينهم وعودة الود والسكينة إلى قلوبهم .
فعلى كل منهما تقبُّل الطرف الآخر وغض الطرف عما قد يشتمل عليه من عيوب ، وتذكُّر أننا لسنا بمعصومين ومن الطبيعي أن تصدر منا بعض الأخطاء ، ومن لا يغفر لصاحبه اليوم خطأه كيف يتوقع منه أن يغفر له أخطاءه ، فإن المحافظة على هذه الأشياء سيقلل العبء العاطفي للطلاق .
– الخاتمة :
إن العاطفة لها شأن كبير في الحياة الزوجية في الإسلام ، وأن العيش مع الانفصال العاطفي هو أشبه بالموت ، والإنسان روحاً وجسداً ، فإن انفصال الروح يأذن بانفصال الجسد ، وأن الحياة بين الزوجين ليست مستحيلة وإن كثرت بها المشاكل وإن وجود طلاق عاطفي لا يعني عدم جواز المعاشرة ، فعلى كل من يعاني ويشعر بالطلاق العاطفي أن يلجأ إلى الله تعالى ويعيد بناء أسرته بما يرضي الله عز وجل ، والصبر على بعضهما البعض ودعم كل منهما للآخر وتحمله لينصلح حاله والدعاء له بظهر الغيب ومساعدته قدر المستطاع .