الدعوة وشخصية الداعية

– عنوان المحاضرة : الدعوة وشخصية الداعية

– المحاضر : د. أوس العبيدي

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : FG-Group Academy -Turkey

بسم الله الرحمن الرحيم

– المقدمة :

الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام على سيد المرسلين  سيدي وحبيبي محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .

الحمد لله الذي شرفنا بالاسلام واكرمنا بخير الانام سيدي محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه … الحمد لله الذي اختارنا جنوداً لدعوته وخداماً لشريعته سائرين في الطريق اليه راجين الوصول والشهود .

الدعوة تلك المهمة الشريفة التي توجنا بها الحق واعاننا على حمل تلك الامانة وسخر لنا السبل لتحقيقها ونشر معالم الدين الحنيف في مظهر يناسب  كل وقت وكل زمان .

لنخاطب القلوب قبل العقول ونرجو من الله القبول والالتزام بمنهج سيدي الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم .. فنكون دالين على الحق اخذين بأيدي من يطلبه  ميسرين غير معسرين ولا منفرين .

كما تعلمون ان الدين لكل وقت وزمان .. ولا يخفى عليكم ان مهمة الدعوة هي واجب على كل مسلم  سواء كان في محيطه الخاص من العائلة والاصدقاء او في محيط اوسع مثل البلدان والاقطار .

قال الحق عز وجل  في سورة النحل : { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ   وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ   وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } . 

 وهذه اية من ايات كثيرة في الكتاب العزيز  بينت لنا منهج الدعوة  وضاغ لنا بها الحق  المنهج والمنظومة الدعوية  التي يجب ان نسير عليها  كما أتت الاحاديث النبوية  موضحة تلك المنظومة مبينة معالم ذلك المنهج فاتحة الابوب لمن يريد الالتحاق بتلك المهمة وفق شروطها الحقانية .

 ومن هنا كان اشتغال العلماء  بوضع مناهج دعوية خاصة بكل وقت وزمان  وتأهيل الدعاة لحمل تلك المهمة بما يحتاجوه من العلم والسلوك والبرامج الخدمية التي تخدم الدعوة .

فنرى تنوع المنهاج الدعوية في كل المدارس السلوكية فكل مدرسة من المدارس لها اسلوبها الخاصة بالدعوة وهيئة مخصوصة للدعاة والبرامج الدعوية التي يسيرون عليها  محققين الغاية .

وقد تختلف برامج تلك المدارس بين بعضها البعض لكن هذا الاختلاف هو اختلاف في الفروع لا في اصول ولا مشكلة في مثل ذلك الاختلاف  لان الكل يسعى لتحقيق غاية واحدة  وهي تقريب الخلق من الحق ودلهم عليه فالكل اجتهد ولكل واحد منهم ثوابه  اعاننا الله واياهم على تأدية تلك المهمة .

ومن هنا كان التفاوت في تعريفات الدعوة  والمكونات الاساسية للعملية الدعوية لكن الكل اتفق على ان الدعوة لا تكون الا بعلم وبأذن وبمواصفات خاصة للداعية .

وشواهد ذلك من القرءان : قال الحق عز وجل  في سورة النحل { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ   وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ   وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } .

وقال الحق عز وجل في سورة الاحزاب : { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } .

ومن الايتين اعلاه سننطلق ان شاء الله في الدقائق القادمة لنتكلم عن بعض الامور المهمة في شخصية الداعية .

 

– هناك بعض المعالم الاساسية الواجب توفرها في شخصية الداعية :

اولها واهمها : العلم .. هناك ارتباط وثيق بين العلم واهميته وبين نجاح الدعوة وتحقق مقاصدها فالعلم نور  ينير الذوات فهو ميراث النبوة  كما هو الحال في الدعوة  فهي مهمة الانبياء من قبلنا .

لذلك قلنا هنالك ارتباط وثيق بين العلم والدعوة .

فكلما زاد علم الداعية زاده عمله  وبالتالي ستكون دعوته بالحال والمقال   قال الحسن البصري العلم علمان  علم في القلب وعلم في اللسان  فعلم القلب هو العلم النافع وعلم اللسان هو حجة الله على عباده ، وهذا امر ضروري  في الداعية فمثله مثل المطر اذا اصاب ارض انبتت واخضرت   وهو يصيب بنور العلم والدعوة القلوب لتخضر بالايمان والقرب من الله تعالى . 

الامر الثاني : ان الداعية ناقل لهذا الدين مبلغ له ولتعاليمه لمن لا يعرفه وغفل عن تلك التعاليم فكيف يتصور ان يبلغ ما يجهله  ويدل الناس على ما اضاعه  ويأخذ بايديهم بجهله  فلا يتصور ذلك عاقل فمن الضروري أن يكون على بصيرة وبينة فيما يدعو إليه  ليستحق أن ينال شرف الدعوة .

فالداعية الجاهل ضال مضل وضرره اكثر من نفعه وبرأي لا نفع منه .

عليه نقول العلم قبل الدعوة ولا اقصد بالعلم فقط فقه الصلاة والطهارة والاقتصار على متن في العقائد بل هذا هو الخطوة الاولى وكل ذلك يعتمد على الشريحة التي سيتوجه اليها الداعية  فمن توجه مثلا لبعض مناطق افريقيا وهم لا يفقهون شيء ولا يوجد لديهم اي مظهر من مظاهر الحاضرة  قد يكفيه ذلك وبعض العلوم الظرورية التي يحتاجها في تعليمهم بعد هدايتهم للاسلام .

لكن من يتوجه على سبيل المثال للدعوة في الدول الاوربية التي تكثر فيها كتب الملحدين والمشككين والفلاسفة وغيرهم هنا الداعية يجب ان يكون على قدر كافي من العلم بالعقيدة واصول المناظرة واقامة الحجج وترتيب البراهين وبالكتب التي تستند اليها الجهة المقابلة .

حتى يكون باستطاعته اقامة الحجة واظهار الحق وبيان بطلان كلامهم وادلتهم وليكون لديه القدرة على اذعانهم  ان كانوا فعلا يرجون الحق .

لهذا العلم والشخصية العلمية للداعية تحدد بالنظر للجهة التي سيتوجه اليها الداعية في طرح البرامج الدعوية .. هذا بخصوص العلم الشرعي .

كذلك على الداعية ان يكون على دراية  بعدد من العلوم الروحية والقدروية التي تعينه  في طرح البرامج الدعوية وتساعده في تسهيل تلك المهمة وبالتالية تقبلها من الشريحة المدعوة للحق . 

 

– السلوك وتهذيب النفس :

لا دعوة حقيقة بدون سلوك والعمل على تهذيب النفس وتخليصها من الافات  وتطهير القلب من الامراض التي تشكل عائقا في طريق الدعوة وسبباً في عدم وصول نور تلك الدعوة لقلوب الاشخاص وبالتالي نفورهم  من تركهم .

لا يخفى عليكم ان للدعوة اعباء واوقات حرجة يمر بها الداعية فمن لم يسلك ولم يهذب النفس لن يستطيع ان يتحمل تلك الضغوطات  التي تواجهه ولن يستطيع اتخاذ المواقف الصحيحه بل على العكس سيسير خلف رعونات النفس واهوائها  تاركا ً خلفه كل مهمات الدعوة واسباب نجاحها .

إن الداعية قد يصيبه شيء من الضجر والألم النفسي لما يرى من صدود الناس عنه وعدم قبولهم الدعوة والاعراض عنها بل حتى قد يسعون لايذائه هنا يرى الداعية ان كل ذلك من الحق عز وجل :

(( قل كلٌ من عند الله )) هنا يتيقن الداعية ان  كل شيء بامر الحق عز وجل وما هو الا مبلغ  وله الاجر في ذلك وما أعدَّه الله تعالى له في الاخرة  اكبر من كل تلك الالم  فيخفف  ذلك الألم عن نفسه  ويسلي النفس فيما ينتظرها في الاخرة .. برأيكم من يستطيع كل ذلك دون سلوك ومجاهد للنفس والسير على ما سار به الاولين ؟

قال تعالى في سورة النحل : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } .

اعتقد ان في هذا القدر كفاية في بيان اهمية العلم للداعية .

الان دعونا ننتقل لبعض الاداب التي يجب على الداعية ان يتحلى بها .

في البداية ما هي اهم الصفات والسلوكيات الواجب توفرها في شخصية الداعية برايكم ؟

– التواضع : هو من اهم الاخلاقيات التي يجب ان يتصف بها الداعية لله .. حتى تصل دعوته للجميع وتخاطب القلوب .. فالكبر اعزائي حاجز يقف بين الداعية وبين نجاح الدعوة  بل هو حاجز بين الداعية وبين ربه وبين الدخول للجنة  وهنا نعود لما ذكرنا سابقا من وجوب سلوك الداعية على يد الشيوخ ليطهروه من امراض القلوب .

اختيار الكلمات المناسبة والمصطلحات التي تدعم البرنامج الدعوي  بأسلوب حضاري راقي  كما تعلمون ان الكلمة لها اثرها ووقعها في القلوب لذلك على الداعية الاعتناء بكلماته واختيار ما يناسب  الشريحة المتوجه اليها  ويخاطبهم بمصطلحاتهم  وبكلماتهم حتى يستطيع ايصال الفكرة التي يطرحها بصورة كاملة وبدون نقص او تشويه فيها .

هناك من الدعاة من يتحجج بأنه لا يجامل بالحق وهذه كلمة حق اراد بها باطل  عندما نقول انتقي كلماتك لا نقول جامل على حساب الدين ولكن  جمل الكلمات وصيغ الكلمات بصورة جميلة  تعين على تقبل الفكرة من الطرف المقابل ولا ترمي الكلام كما ترمي الحجارة  فسلوكك بهذه الطريقة منفر  لا مقرب .. واعتقد الكثير عانى من هذه المشكلة .

وهنا يجب ان ننبه على امر مهم وهو عند الخروج للدعوة في بلدان غير بلد الداعية عليه ان يراجع ما الكلمات التي يجب عليها استخدامها وما الكلمات التي لا يجب عليه استخدامها  فقط تكون بعض الكلمات في بلده مباحة ولا مشكلة فيها وفي غير بلدان قد تكون من الكلمات المستقبحة والتي لا يجب التطرق اليها خلال الحديث .

– تبسيط الامور والتدرج للوصول للنتيجة النهائية :  يجب على الداعية تبسيط الفكرة  وتقسيمها لعدة محاور ولا ينتقل من محور لاخر حتى يتأكد من الاستيعاب والفهم الكامل له .. ولا يطرح الافكار بشكل كلي مما يسبب تشويش وعدم فهم لدى الفئة المستهدفة .. ينتقل بالتدرج شيئاً فشيئاً في عملية بناء لتلك المفاهيم في وعي الشريحة المستهدفة  مغلقاً بذلك كل ابواب السؤال والاستفسارات التي لديهم  وهذا من الامور الذي يحتاج لصبر  وقوة تحمل .

– الصبر وعدم الاستعجال : عدم طلب النتائج الفورية في عملية الدعوة مثل تلك النتائج تكون من حماسات المجلس ولا يعول عليها .. كما شاهدنا في القرأن الكريم ان عملية الاصلاح وانشاء مجتمع  مثالي تطلبت سنوات عديدة وفي كل قصص من قبلنا  كلها احتاجت لفترة من الزمن لبناء الاسس الصحيحة لتعمر عليها بعد ذلك باقي الفروع التي من شأنها ان تكون مقدمات للنتائج المرجوة .

– العلم بحال المدعوين : على الداعية دراسة الشريحة المستهدفة  دراسة تفصيلية مثل : ( الاوضاع الاجتماعية  – التحصيل العلمي – الوضع العام في البلد – الفئات العمرية – نسبة الذكور  والاناث ) وغيرها من الامور المهمة في تحديد  معالم البرنامج الدعوي وتفاصيله فليس من الصحيح ان يتوجه الداعية على سبيل المثال لافريقيا ويتكلم خلال دعوته عن الزهد .

واذكر مرة في صلاة الفجر بعد الصلاة قام احد الدعاة ليلقي كلمة فكان عنوان كلمته لماذا لا تصلي .. تخيلوا معي في صلاة الفجر وفي المسجد ويلقي كلمة لماذا لا تصلي كان المفروض على ذلك الداعية ان يفكر قليلا ويستنتج ان من اتى لصلاة الفجر جماعة وتكبد عناء القيام من الفراش انه من الملتزمين بالصلاة  ولا داعي لمثل تلك الكلمة .. والاولى له كان يتكلم عن فضائل صلاة الفجر في جماعة وفضائل السير للمساجد في الظلم  . 

– عدم التطرق للمسائل الخلافية بين الفقهاء : انت كداعية واجبك ان تدل الناس على الدين وايصاله لهم وليس من واجبك التحدث عن المسائل الخلافية بين الفقهاء  وطرح تلك الافكار  هذا واجب الفقهاء والعلماء والمهتمين بعلم الفقه .. حتى صرنا نرى في بعض الاحيان من الدعاة من يحرم مباح بل ويتهم فاعله بالمعصية  اين الدعوة في ذلك ان دل ذلك على شيء يدل على الجهل .

وان احتاج الدعاية لبيان حكم معين في مسالة عليه ان يبين ابعاد ذلك الحكم  وما اقوال العلماء فيه  خصوصا ان كان في مجتمع مثقفين  حتى يشبع فضولهم العلمي فلا يلقي الحكم ويذهب ويدعهم في حيرة .. حتى كان من دعاء مشايخنا  لنا جزاهم الله عنا خير الجزاء ان يرزقنا الحق الفهم  عن الاحكام  لنفهم رقائق ودقائق ذلك الحكم .

– مراعاة المناسبة والزمن : على الداعية  اختيار من  البرامج الدعوية ما يتناسب مع المناسبة والزمن فلكل وقت كلام ولكل مناسبة مواضيعها فلا يخلط الاوراق ولا يفعل كما يفعل البغبغاء .. فمن الدعاة من يجهز كلمة واحدة فقط يحفظها عن ظهر قلب ويرددها في كل الاوقات والمناسبات  مثل البغبغاء .. وهو نسي بذلك ان الدعوة علم وفن يخاطب القلوب والعقول معاً .

– المخاطبة على قدر العقول : وهذا الامر من ذكاء الدعية فهو يختار ما سناسب فهم واستيعاب المقابل  و يشطح بالكلام لامور قد تتسبب في تكذيب الكلام .

ذكر الامام البخاري في صحيحه  عن الامام  علي رضوان الله عليه موقوفا ( حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله ) .

وفي صحيح الامام مسلم عن ابن مسعود رضوان الله عليه  قال : ( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) .

استعمال الترغيب والترهيب وحسب الحاجة ولا يسير في وتيرة واحدة فتكون تدعوته من البداية وحتى النهاية ترهيب فيصور الدين على انه الجلاد الذي جاء لينتقم من البشر .

– لغة الجسد والطبقات الصوتية : على الداعية ان يكون ملم بلغة الجسد واسلوب المحادثة والطرح وفي استخدم طبقات الصوت بشكل صحيح داعماً لمنهاجه الدعوي عاملاً على تطوير نفسه في سبيل تطوير الدعوة .

الترتيب المسبق واعداد الخطة والمنهاج الدعوي وعدم امتهان العشوائية لن تكون داعية ناحج ولن تحقق انجازات دعوية ما لم تكن منظم تاركا للعشوائية والتخبط في متاهات عدم التنظيم .

ومن يقول ان دعوتنا على البركة  فنقول له جميعا محتاجين للبركة والمدد لكن في العشوائية  تذهب البركة سداً وتضيع جهود كبيرة في ميادين لو نظمت لما احتاجت لكل ذلك المجهود .

مطابقة الاقوال للافعال وهذا امر مهم جدا جدا على الداعية ان يعمل بما يقول ولا يقول ما لا يفعل فيدعو الناس بالحال والمقال والا كان منافقاً .


تمت والحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى