الحساسية العصبية

– محاضرة : الحساسية العصبية

– المحاضر : د. نضال ترمانيني

– المحاضرة : نصية

– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey

أهلاً بكم أحبابي في لقاء جديد

حول موضوع جديد

وهو الحساسية العصبية

والآلام المُزمنة ومشاكلها

فأهلاً وسهلاً بكم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد

وعلى آله وصحبه وسلم

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً

وأنت إن شئت تجعل الحزن سهلاً سهلاً

لاتكلنا لأنفسا طرفة عينٍ ولا أقل من ذلك

رحمتك نرجو ، إن ربي الفتاح العليم

سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب ، وبعد :

دراسات حديثة استطاعت أن تلقي الأضواء على طريقة جديدة لتخفيف حجم الألم عن طريق إعادة تدريب الدماغ وتوجيهِهِ لتخفيف الألم ، وخاصة عندما يصبح الشخص متحسساً من الأدوية المُسكنة للألم  .   
نشرت هذه الدراسة في / 16 إبريل 2023 / مع كل شعور او إحساس نشعر به ونختبره ، هناك الكثير من العوامل البيولوجية المعقدة ترافق هذا الشعور وتتواجد عادة في الجلد .

وعندما نواجه أخطاراً محتملة فإن الشعور بالألم يتطور إلى شعور ثانِ ، يساعد فيما يسمى ( الكشف والوقاية ) .

مع الزمن ، تصبح الخلايا العصبية مفرطة الحساسية بشكل أكبر ، بمعنى أن الأعصاب تستجيب بشكل قوي وبسهولة أكبر للأشياء التي لا تؤذي عادة أو أنها تؤذي بشكل أقل وهذا ما يُسمى الحساسية العصبية sensitization .

إن الحساسية العصبية يمكن أن تصيب أي شخص ، ولكن بعض الأشخاص معرضون لها بشكل أكثر من الآخرين :

 – لأسباب وراثية .

– أو أسباب في المحيط .

– أو حساسية سابقة للخلايا العصبية .

إن الحساسية المفرطة تدخل في العديد من الألم المزمن مثل الألم العضلي المزمن  fibromyalgia أو تناذر الكولون المتهيج ، أو الشقيقة ، أو ألم أسفل الظهر .

ماهو الإحساس بالخطر  ( DANGER ) :
يستعشر جسم الإنسان الخطر عن طرق نهايات عصبية تسمى المستقبلات ( nociceptors)
يمكن أن نشبه هذه المستقبلات بالميكروفونات ، التي تنقل كلمة خطر من خلال الأسلاك ، التي تُمثلها ( الأعصاب والنخاع الشوكي ) وتنقلها إلى الأعلى ، إلى الدماغ  .

عندما يصاب كاحل القدم برض ، تبدأ مجموعة واسعة من التفاعلات الكيميائية الدقيقة في تلك المنطقة  .

عندما تحدث الحساسية العصبية في منطقة من الجسم ، فكأن الميكروفونات تجمعت عن فترة أسابيع أو أشهر  .

هذه الرسائل ستنتقل إلى الأعلى من خلال الأسلاك بشكل أكثر فاعلية ، مع زيادة حجم الإحساس بالخطر المرافق لهذه الرسائل  .

كلما زادت الرسائل التي تصل إلى الدماغ ، زادت التفاعلات في الدماغ ، وأصبحت الرسائل التي تصل إلى الدماغ أعلى  .

لكن الحساسية العصبية لا تتوقف عند هذا الحد ، فالدماغ يمكن أن يرفع حجم الإشارة التي تصل إليه عندما يصاب الشخص بالحساسية العصبية ، ومع الزمن فإن نظام الحساسية العصبية سوف يخلق مشاعر أكثر وأكثر للألم وبدون أن تكون هذه الزيادة متناسبة مع درجة الأذى للجسم أو للمكان الأصلي للألم  .

هناك عدة مظاهر للحساسية العصبية :

1- فهو يمكن أن يشعر بالألم في أماكن مختلفة وخارج مكان الإصابة الحقيقية وهو ما يٌسمى فرط الحساسية HYPERALGES .

2- انتشار الألم إلى مناطق أخرى من الجسم  REFERRED PAIN .

3- استمرار الألم لفترات زمنية طويلة الألم المزمن أو المستمر CHRONIC PAIN OR PERSISTENT PAIN  .

4- حدوث ألم نتيجة الإثارة بأشياء غير مؤذية مثل اللمس أو الضغط أو الحرارة  ALLODYNIA .

إن الألم هو حادثة بيولوجية نفسية اجتماعية ( biopsychosocial experience ) وبالتالي فيمكن أن نشعر بأعراض أخرى مرافقة للألم مثل التعب ، تغيرات المزاج ، مشاكل النوم ، وصعوبة التركيز  .

المرونة العصبية Neuroplasticity :
إن أجسامنا تتغير مع مرور الزمن وحركة عقارب الساعة ، وتتكيف تلقائياً .

فالمرونة العصبية هي التغيرات التي تطرأ على الدماغ كاستجابة للخبرات التي يكتسبها الإنسان سواء أكانت خبراتٍ جيدةً أم خبراتٍ سيئةً  .

اقترحت العديد من الدراسات العلمية حول ظاهرة الألم ، أنه يُمكننا تدريب أنفسنا لتحسين صحتنا وشعورنا بأننا على ما يُرام عن طريق تحسين المرونة العصبية لأدمغتنا .

هناك بعض الأمثلة عن التطبيقات العملية لتخفيف الشعور بالألم  :

1- تقنية الصور الحركية المتسلسلة ( graded motor imagery ) ( GMI ) ، هذه التقنية تستعمل التمارين الفيزيائية والتمارين العقلية ، مثل التعرف على الأطراف اليمنى واليُسرى ، تمارين التخيل والعلاج بالمرآة  .التطبيقات العملية التي تستهدف الآلية المُسببة للحساسية العصبية ، وتحاول عكسها  .

إن تقنية الصور الحركية المتسلسلة هي اختبار للدماغ من خلال خطوات مُقاسة ومُراقبة ، هذه الخطوات تتزايد مع تقدم الاختبار ، تعتمد هذه التقنية على تدريب الدماغ على الابتعاد بوعيه عن الألم ، عن طريق استعمال صور خاصة سواء أكانت في الخيال أم صور واقعية .
على سبيل المثال ، إن تخيُّل تحريك منطقة الألم في جسمك ، يعطيك شعوراً بزوال الألم  pain free .

وهناك آلية أُخرى في تحسين الألم ، هو التعرض التدريجي للمنبهات وبشكل متزايد  .

لقد تم اختبار هذه التقنية في حالات عديدة مثل تناذر الألم الموضعي المعقد : وهي حالة تسبب ألماً حاداً مع تورم في الطرف بعد حدوث رض أو جراحة ، وكذلك حالة الألم التي تحدث بعد بتر الطرف وتسمى ( phantom limb pain ) .

2- يُمكن للتمارين الرياضية أيضاً أن تعيد تدريب الدماغ ، فالنشاط الفيزيائي العادي المنتظم يُمكنه أن يخفف من حساسية جهازنا العصبي ، عن طريق تغيير التفاعلات التي تحدث على مستوى الخلايا ، بشكل مشابه لإعادة معايرة انتقال رسائل الخطر  .

ومن المهم أن ننتبه ، أن النشاط الرياضي لا يجب أن يكون عنيفاً أو قاسياً أو حتى الذهاب إلى النادي الرياضي ( gym ) ، بل إن التمارين الرياضية ذات التأثير المُنخفض كافية ، مثل المشي ، السباحة ، وذات تأثير فعال في خفض حساسية الجهاز العصبي ، ويمكن أن يكون ذلك عن طريق تأمين برهان جديد وقوي للإنسان بوجود أمانٍ ملموسٍ وظاهرٍ  .

3- النشاطات المُرتبة كخطوات (pacing activities ) هي عبارة عن تنظيم مستوى النشاطات والرغبات التي يريد الشخص المصاب بالألم القيام بها .

تحاول الدراسات التركيز على معرفة العلوم المتعلقة بالألم ، ومحاولة تغيير كيف نفكر به ، وكيف يمكن أن نعزز مهاراتنا الشخصية حول التعامل مع الألم ، مثل حساب الفترة الزمنية لقدرتنا على الرياضة ولو كانت بسيطة مثل المشي ( pacing activities ) ، وجدولة التعرض للأشياء التي سببت لنا الألم سابقاً .

أحياناً يستيقظ الشخص وهو يشعر نفسه بصحة جيدة فيقوم بالعديد من الأشياء في نفس اليوم ، ليجد نفسه متعباً بشدة في اليوم التالي مع اشتداد الآلام المُزمنة ، وهو ما يُطلق عليه دورة ( القمة والحضيض ) ( BOOM AND BUST CYCLE) والتي تؤدي عادة إلى التوقف عن متابعة النشاطات المعتادة بسبب الألم الناتج أو التعب وما يحتاج بعد ذلك الشخص من فترات طويلة من الراحة ، يهدف العلاج إلى الحفاظ على الصحة الشخصية لفترة طويلة عن طريق تنظيم النشاطات التي تُسبب الألم المزمن أو التعب المزمن .

في البداية نخطط للنشاطات التي نرغب بها ، نضع فترات قصيرة للراحة بينها ، ونختار النشاطات التي تتوافق مع قدرتنا ، ونبدأ بها حسب الأولويات  .

النقطة الأساسية في هذا النظام هي تقسيم أي نشاط يرغب فيه الشخص إلى فترات نشاط وفترات راحة ، كي لا نصل إلى درجة الألم الزائد ، وبالتالي نبني مخططاً يساعد على تخفيف الألم مع أفضل إنجاز أثناء اليوم .

الألم يسبب عادة تغييرات في النشاط اليومي للشخص ، فإما أن يتخلى هذا الشخص عن نشاطاته الاعتيادية تجنباً لحدوث الألم ، أو أن يوقف النشاطات المعتادة مما يؤدي إلى آلامٍ أكثر وإلى حدوث الإعاقة .

إن النشاطات المرتبة كخطوات (pacing activities ) مهمةٌ جداً في تدبير الآلام ، لأنها تُمكن الشخص من البقاء فعالاً ويمارس النشاطات التي يرغب بها ، مع تجنب نوبات الألم  .

لا تحاول أن تجري هذه التدريبات وحدك  !
إذا كنت تعاني من آلام مُزمنة ، أو آلامٍ شديدةٍ تؤثر على نشاطك اليومي ، فعليك أن تستشير أخصائي الصحة مثل الطبيب ، أو الأخصائي في علاج الألم ، فهو من يستطيع أن يُشخص حالتك ويعطيك العلاجات الفعالة  .

يوجد العديد من المراكز الطبية المتعددة الاختصاصات لمعالجة الألم ، وهي تقدم  :
 – معالجات فيزيائية مثل التمارين الرياضية .

خدمات المراكز الطبية لعلاج الألم  :
ومعالجات نفسية مثل فن اليقظة الذهنية ( mindfulness ) وهي ببساطة ممارسة الوعي في اللحظة الراهنة ، الآن ، مما يساعد في الاتصال مجدداً ببساطة الحياة من خلال عيش اللحظة الراهنة ، ويساعدنا في الاستمتاع بحالة من السلام الداخلي . لا تحتاج هذه التقنية إلى أي أدوات لممارستها ، فقط كل ما يلزم هو الوصول إلى اللحظة الراهنة أو قوة الآن .

العلاج السلوكي المعرفي ( cognitive behavioural therapy ) وهو تدخل نفسي اجتماعي يهدف إلى تحسين الصحة العقلية عن طريق تغيير المعارف مثل ( الأفكار والمعتقدات والمواقف ) والسلوكيات ، وتحسين التنظيم العاطفي ، وتطوير استراتيجيات لمواجهة المشاكل الحالية  .

تغيير نظام الحياة (lifestyle changes ) يمكن للخبراء مساعدة الشخص المصاب بالألم ، عن طريق تغيير نظام الحياة التي يعيشها من أجل تحسين عادات النوم ونمط ونوعية الغذاء اليومي ، من أجل معالجة الألم وتخفيفه  .

إن أفضل طريقة لعلاج الألم هو النهج المتعدد الجوانب لتتوافق مع تعقيدات الظاهرة البيولوجية للألم  .

– إن رفع الوعي الثقافي للشخص يُساعد على علاج الألم ، عن طرق تعلم عادات صحية سليمة تساعد على إزالة الحساسية العصبية ، حتى في الأعمار الشابة .

لقد تم تطوير العديد من الأدوات مثل كتب للأطفال ، فيديوهات ، ألعاب الكترونية ، وكذلك تم اختبارها ، من أجل تحسين الحالة الصحية للأشخاص المُصابين بالألم  .

من المفروض أن نقتنع أن الألم ليس شعوراً شخصياً يعاني منه الشخص بشكل صامت ولوحده .

في الختام ، نشكر سماحة علامة الديار الشامية وبشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم د. هانيبال يوسف حرب على رعايته وجهوده الكريمة المستمرة ، جزاه الله تعالى عنا كل خير
كما نشكر حضوركم ومشاركاتكم التي أغنت المحاضرة ، ونشكر جميع العاملين في هيئة الإف جي على جهودهم وتعاونهم ، جزاهم الله تعالى كل خير .