اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك أوليتنا من نعمك ما يضيق عنه العد وأعطيتنا بغير حد .. فلك الحمد كله ولك الشكر كله ولك الفضل والثناء كله .
وصلى الله على صاحب التاج والمعراج والعلم سيد الكونين والثقلين سيدي وحبيبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
كل فرد منا في هذه الحياة يبحث عن بصيص أمل ونور وطيف هداية يعيش معه هذا العمر .. وبصيص الأمل الذي نتكلم عنه اليوم هو البشرى والبشارات في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية وأهمية البشرى في الفكر الإنساني وفي بناء الحضارة الإنسانية .
روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي بردة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبا موسى ومعاذ بن جبل إلى اليمن ، قال : وبعث كل واحد منهما على مخلاف قال : واليمن مخلافان ، ثم قال : ” يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا ، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا ” .
كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم إذا أسلمت قبيلة أو انقادت إليه عشيرة يبعث إليهم قاضيا ومعلما ، وفي الحديث أرسل الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أبو موسى الأشعري ليقضي ومعاذ بن جبل ليعلم وقد أوصاهم على أبواب المدينة الوصية المذكورة في الحديث مؤكدا على أن هذه هي السياسة المحمدية المرضية في عملية الدعوة الممتدة عبر الزمان والمكان المخاطبة للذوات الإنسانية .
ومن هنا سيكون إنطلاقنا في التعرف على البشارة وموقعها في القرءان الكريم والسنة المطهرة .
– تعريف كلمة بشرى :
عرفها أصحاب المعاجم فقالوا هي الخبر السار وجمعها بشريات والتبشير هو الاخبار .
ويقال تبشر فرح وتهلل ..
ويقال استبشر بالشيء ..
نلاحظ أن هنالك نوع من المناسبة والتوافق بين الكلمة الطيبة السارة وبين ما يظهر من علامات وإمارات في وجه الإنسان كرد فعل عليها ، وإن من صفته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكما جاء في شمائله أنه لم يكن يطوي بشره عن أحد أي أنه كان طلق الوجه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
ذكر القرءان الكريم هذه اللفظة بمشتقاتها في أكثر من /123/ موضع منها /48/ مرة بصيغة الفعل كما في سورة البقرة :
الحق أنزل هذا القرآن على قلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ميسرا بلسانه للبشارة وقال سبحانه وتعالى في سورة النمل : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } .
ففي هذا الكتاب الإبانة والبيان والهدى والبشرى فله وظائف في الحياة الإنسانية والمتتبع للآيات التي وردت فيها البشرى يجد أن هناك أصنافا وأنماطا من المبشرين في القرءان الكريم ، فقد بشر الحق الصابرين وبشر المخبتين وغيرهم من أهل الود والمحبة والقرب .
فنجد أن هناك بشارة لأصحاب الإنابة بالهداية حيث قال تعالى وفي سورة الزمر :
هذه لمحات من البشارات التي جاءت في القرءان الكريم .
– البشارة في السنة النبوية :
أما السنة المطهرة فقد كان لها حظ كذلك من البشارات التي وردت على لسان الحبيب المصطفى لأصحابة وللأمة من بعدهم .
فمن تلك البشارات ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ رضِي اللَّه عنْهُما قَالَ : بيْنَما جِبْرِيلُ عليهِ السَّلام قاعِدٌ عِندَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَه فَقَالَ : ” هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ ولَمْ يُفْتَح قَطُّ إِلاَّ اليَوْمَ ” فَنَزَلَ مِنه مَلكٌ فقالَ : ” هذا مَلَكٌ نَزَلَ إِلى الأَرْضِ لم يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ اليَوْمَ فَسَلَّمَ وقال : أَبشِرْ بِنورَينِ أُوتِيتَهُمَا ، لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبلَكَ : فَاتحةِ الكِتَابِ ، وخَواتِيم سُورَةِ البَقَرةِ ، لَن تَقرأَ بحرْفٍ مِنْهَا إِلاَّ أُعْطِيتَه “ رواه مسلم .
والنقيض هنا الصوت ..
وهذه من البشارات الملائكية للحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
وفي بشارة أخرى بشارة عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنه : ” عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم فتوجه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت ان الله عز وجل قد قبض نفسَه فيها فدنوت منه فجلست رفع رأسه فقال : من هذا قلت عبد الرحمن ، قال : ما شأنك قلت يا رسول الله سجدة سجدة خشيت ان يكون الله عز وجل قد قبض نفسك فيها ، فقال : ان جبريل عليه السلام أتاني فبشرني ، فقال : ان الله عز وجل يقول من صلى عليك صليتُ عليه ومن سلم عليك سلمتُ عليه ، فسجدت لله عز وجل شكراً ” ..
فما أجمل هذه البشارة ..
وفي بشارة أخرى : عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ” بشروا المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة ” .
وفي بشارة أخرى : عن عتبة بن عبد الله المازني في حديثه المعروف ” ما من عبد يخرج من بيته الى غدو أو رواح إلى المسجد إلا كانت خطاه خطوة كفارة وخطوة درجة ” .
فما أعظم هذه البشارات التي تنير القلوب بالكفارات والدرجات وتعين على السلوك والارتقاء للحق عز وجل .. أبشروا أيها المحبون .
ومن أجمل البشارات كذلك هي بشارة العشرة الأطهار أصحاب الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ” العشرة المبشرين بالجنة ” .
ومن البشارات الخاصة كذلك بشارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لطلحة بن عبيد الله ” ابشر يا طلحة بالجنة اليوم ” .
وقد كان الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول : ” لن يدخل النار رجل شهد بدراً والحديبية ” .
جعلنا الله وإياكم ممن يعيش نور وبركة وتنفس هذه البشارات النبوية وجعلنا من أهل الارتباط الكامل برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وورثته من بعده ويدخلنا في دائرة القرب والرضا ويجعلنا من المستبشرين .
– البشرى الخاصة بالمؤمن :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم : ” لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات يا رسول الله ؟ قال : الرؤيا الصالحة ” .
إن هذه الأحلام الصالحة والمرائي الصافية بشارات ومبشرات من عهود النبوة والمعاني الباطنية الصادقة يستشعر بها الإنسان بشارة الحق والرحمن وبشارة الملائكة وبشارة الانس والخير .
وكما جاء في الحديث أن الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان يلتفت لأصحابه ويقول : ” هل راى أحد منكم من رؤيا ليؤولها ويعبرها له ” .
وما أكثر هذه البشارات لأصحاب القلوب النقية وأصحاب اللسان الذاكر الصادق ممن اتصل قلبه بحضرة الحبيب فبات يتلقى عنها الأنوار والأسرار .
– الاستبشار والتفاؤل الحسن :
للحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سنة جميلة تبعث على التفاؤل والإيجابية ورفع الهمة وهي أنه كان صلى الله عليه آله وصحبه وسلم يستبشر بالجميل من الأسماء ويتفاءل بالأسماء الطيبة وكان صلى الله عليه وآله وصحبه لا يتشائم ولا يعرف الفكر السلبي ولا يربط الحوادث على وجه من وجوه السلبية .
فحينما جاءه سهيل بن عمرو عن أهل قريب يوم الحديبية قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ” لقد سهل لكم من أمركم ” .
ولما دخل المدينة المنورة قبلها بسنوات ومعه الصديق رضوان الله عليه من جهة بني عمرو بن عوف فاستقبلهما رجل اسمه كلثوم بن الهدام من منطقة قباء وأراد أن يضيفهما شيئا من الرطب فنادى غلاما له يدعى نجيح فقال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : انجحت يا أبا بكر .
ومن تابع السنة الشريفة يرى استبشارات الحبيب صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بالأسماء في عدد من المواضع والحوادث ولذلك كان يغير الأسماء غير المناسبة والتي فيها معنى سلبي أو ربما تضعف من قوة وطاقة صاحبها إلى أسماء أفضل .
حتى الأماكن نالها ذلك الشرف حيث غير اسم المدينة من يثرب إلى طيبة البشرى وموقعها في الحياة .
أدركنا الآن اهمية البشرى وموقعها في حياة الفرد وتأثيرها عليه في المواضع القرآنية وفي الحوادث النبوية .. لذلك وجب علينا أن نغير من أنماط حياتنا وأن ندرك مدى ومدد البشارة وكل ما يتصل بها .
فنحتاج أن ندرك العمق للبشارة في الوعي البشري لتأخذ موقعها أمام حالات اليأس والقنوط اليومية التي نراجها في المجتمع بينما بإمكاننا أن ننظر للنصف الممتلئ من الكاس كما يقولون ، فنحن في هذا الزمان في أحوج حالاتنا للبشارة وللتمسك بها على الصعيد الشخصي أو على صعيد العائلة أو حتى المؤسسات والمجتمع بصورة عامة .
ومعنى ذلك أن نتحول من المفاهيم السلبية إلى المفاهيم الإيجابية التي تزيد الهمة ومن الضعف إلى القوة والهمة ولا يكون ذلك إلا في السلوك العلمي الصحيح .
وصلى الله على سيد السادات وخاتم الرسالات سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم انا نشهد أن النبي قد بلغ وأدى عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه الكرام .
This article opened my eyes, I can feel your mood, your thoughts, it seems very wonderful. I hope to see more articles like this. thanks for sharing.