– محاضرة : إشراقات الحروف وتجلياتها في أسماء العلماء ( الإمام البخاري )
– المحاضر : د. سناء صبري
– المحاضرة : نصية
– قدمت في : 2023 / FG-Group Academy -Turkey
بسم الله الرحمن الرحيم ..
والحمد لله رب العالمين ..
مَن تقدَّست أسمائه وعَلَت صفات ذاته ..
وكانت حروفه مُوصِلاتٍ كونية لإرادته الإلهية الأزلية الأبدية ..
وبقُدرة حتمية .. سبحان الحيّ القيوم العليم أبداً ..
اللهم صل وسلم وبارك على الحبيب محمد صلاة مباركة بكل حروف الجمال ..
أهلا بكم أعزائي مع أمسيتنا لهذا اليوم حيث سنقدم لكم قدرة خاصة وهي من القدرات الحرفية الأسمية الكشفية ، حيث سنتكلم عن صفات اسم الإمام العظيم ( محمد بن اسماعيل البخاري ) رضي الله تعالى عنه وأرضاه ..
فإننا سننطلق في تحليل اسمه المبارك .. ونرى سطوع تلك الحروف في حياته كيف أشرقت وصاغت شخصه الكريم وسيرته العطرة ..
والآن أعزائي سوف نقوم بتحليل اسم ( محمد ) :
– شخصية متوازنة يميل للوسطية في معظم أمور حياته ، إنسان وسطي .
– شخصية محمد شخصية منفتحة على العالم ومحب لتطوير ذاته وتنميتها .
– مما يميز شخصيته بساطته في التعامل مع من حوله وتواضعه مع الآخرين .
– يعبر عن ذاته بكل وضوح وصراحه ، إنسان واضح ويحب أن يتعامل معه الناس بهذا الوضوح .
– لديه قدرة على إتمام الأمور إلى نهايتها .
– من صفات اسم محمد أنه شجاع وصاحب شخصية قوية وجريء ومقبل على الأشياء دون خوف .
– لديه قدرة كبيرة على المفاوضات وفض المنازعات بين الناس ، تتميز شخصيته بالإصلاح .
– مرهف الحس وحدة شعوره عالية جداً .
يتعرض لفترة من الظلم في حياته وتمضي .. هذه الفترة قد تكون فترة قصيرة وقد تكوين فترة طويلة .
– يتاثر بمن حوله .. وينعكس هذا التأثير على شخصيته .
– من صفات شخصية محمد أيضاً سرعة الفهم والذكاء والنباهة .
– لديه قدرة وجلد على الدوام والاستمرار على الأشياء حتى يتمها على أكمل وجه .
– لديه معرفه خاصة تأتيه من لواقط الحس ، فهو يدركها ويدرك القوى الخفية من ورائها .
– من صفات أصحاب أسم محمد أنه مخطط بارع .
– محب للجمال وتعيش معه عوالم من الجمال والمتعة .
هذا كان التحليل الحرفي لبعض من صفات اسم محمد ابقوا معنا أعزائي لنراقب معاً هذا التحليل كيف كان مشرقاً في جوانب حياة الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه وأرضاه .
الإمام البُخاريّ هو مُحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة بن بَردِزبَه الجعفيّ ، ويُكنّى بأبي عبد الله ، ويُنسب إلى الجعفيّ ؛ لأنّ جدّه المُغيرة أسلم على يد يمان البُخاريّ وهو الجعفيّ ، وُلد يوم الجُمعة بعد الصّلاة ، في الثالث عشر من شهر شوال ، سنة مئةٍ وأربعٍ وتسعين من الهجرة ، ونشأ في بيتِ عِلمٍ ، لقوله إنّ أباه سمع من مالك بن أنس .
وكانت أُسرته من أهل الثراء والتديُّن والفضل ، لكنّ والده تُوفّي وهو طفل ، فعاش في كفالة أُمّه التي كانت تتّصف بِالتُقى والورع ، وذكر أهل التاريخ أنّها من أهل الولاية والكرامة ، وذكر بعضهم كالسُبكيّ في كتابه الطبقات أنّ البُخاريّ ذهب بصره في صِغره ، فدعت له أمه الله تعالى بإعادة بصره حتى رأت في المنام نبيّ الله إبراهيم عليه السلام يقول لها : إنّ الله تعالى قد رَدَّ على ابنها بَصَرَهُ بكَثْرة دُعائِها ، وفي الصباح ردّ الله تعالى له بصره ، فذهبت به إلى الكُتّاب ، وبدأ بحفظ القُرءان الكريم والحديث وهو في عُمر العاشرة ، وأخذته إلى مجالس العُلماء ، والشيوخ ، وحلقات العِلم ؛ ممّا ساعد على تفتّح مداركه ، وكان أبوه إسماعيل من رجال الطبقة الرابعة في الحديث ، وهي الطبقة التي تلي طبقة تابعي التابعين ، وكان والده من الثقات ، وكان مُهتماً بتعليم السُّنة لابنه ، وله الأثر العظيم في ذلك على الرغم من موته عندما كان ابنه البخاريّ طفلاً .
– من صفات الامام البخاري والتي ذكرناها في التحليل السابق قلنا أن الإمام البخاري صاحب شعور عالي مما يجعله مرهف الحس وسريع التأثر بالأشياء :
اتّصف الإمامُ البُخاريّ بالصفات الحسنة ، وبلغ في ذلك غاية الكمال والفضل ، فكان كريماً ؛ بحيث يُنفق كُل ما في يده ولا يدّخرُ شيئاً ، كثير العبادة وتلاوة القُرءان ، ورعاً في مُعاملاته ، بعيداً عن الشُّبُهات ، مُحتاطاً لِحُقوق العِباد ، بعيداً عن التصريح في جرحه للعُلماء ، حافظاً لفضلهم ، فأكثر من قول : ” مُنكر الحديث ” ، ” سكتوا عنه “ ، حتى أصبح مُصطلحاً خاصاً به ، كما كان مُشتَهراً بالحفظ وقوة الذاكرة ، فقد سمع منه مُحمد بن حُمويه قوله : ” أَحْفَظُ مِئَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ ، وَأَحْفَظُ مِئَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ “ ، واختبره أهل بغداد بمئة حديثٍ مقلوبة السند والمتن ، فأعادها عليهم بالترتيب كما سمعها بأخطائها ، ثُمّ رواها بالسند والمتن الصحيح لها ، وقد قال عنه الإمام أحمد بن حنبل : ما أخرجت خُراسان مِثله ، وقال له الإمام مُسلم : ” أَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ “ ، وقال عنه الحاكم إنّه إمامُ أهل الحديث .
– من صفات الإمام البخاري أيضاً قدرته على الدوام والاستمرار على الأشياء حتى يتمها على أكمل وجه :
وقد كان البخاريّ يكثر من صلاة التطوّع ، بالإضافة إلى شدّة خُشوعه ، فرُوي أنّه لما فرغ من قيامه وُجِدَ تحت قميصه ستة عشر أو سبعة عشر موضعاً قد آلمه من أثرِ لسع حشرة الزنبور ، وقد تَوَرّم منه جسدُه ، فسألوه عن سبب إتمامه للصلاة أثناء ذلك ، فقال لهم : كُنت في سورة فأحببت إكمالها .
ولم يردْ عنه أنه اغتاب أحداً ، وكان يكتب تراجمه بين قبر النبي عليه الصلاة والسلام والآل ومنبره ، ويُصلّي ركعتين لِكُل ترجمة ، وقال البخاريّ رحمه الله تعالى : ” ما وضعت في كتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين ” .
– من صفاته الإمام البخاري أيضاً أن لديه معرفه خاصة تأتيه من لواقط الحس فهو يدركها ويدرك القوى الخفية من ورائها :
وكان الإمام البُخاريّ مُتميّزاً بثلاث خِصال ، وهي قلّة الكلام ، وعدم الطمع فيما عند النّاس ، وعدم الاشتغال بِأمورهم ، بل كان مُشتغلاً بالعلم فقط ، بالإضافة إلى عدم تفرقته بين القوي والضعيف ، وكان حافظاً لسانه عن الباطل ، وكثير العبادة في الليل ؛ فقد كان يُصلّي وقت السَّحر ثلاث عشرة ركعة في طلب الحديث فقد بدأ الإمام البُخاريّ بحفظ الحديث وهو في سنّ العاشرة ، وبعد العاشرة خرج من الكُتّاب ، وفي سِن الحادي عشر من عُمره كان يُصحّح للعُلماء الأسانيد التي يُخطئون بها ، فقد سمع رجُلاً يقول : ” سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ ” ، فقال له : إنّ أبا الزُبير لم يروِ عن إبراهيم ، ولمّا بلغ من العُمر ستَّ عشرة سنة حفظ كُتب ابن المُبارك ووكيع ، وعرف كلامهم ، ثمّ خرج مع أُمّه وأخيه إلى مكّة للحج ، وبقي فيها لطلب الحديث .
– من صفات البخاري أيضاً سرعة التأثر وسرعة تفاعله مع الأشياء :
ففي مكة بدأت مرحلة اتّصاله بالعالم الخارجيّ في طلب الحديث ، والقُرب من العُلماء والشَيوخ ، فسمع من شِيوخ نيسابور من يحي بن يحي ، وبالرّي من إبراهيم بن موسى ، وفي بغداد من مُحمد بن عيسى الطباع ، ومُحمد بن سابق ، وبالبصرة من أبي عاصم النبيل ، ومُحمد بن عرعرة ، وبمكة من أبي عبد الرحمن المقرئ ، وخلاد بن يحي ، وبالمدينة من عبد العزيز الأوسيّ ، وأيوب بن سُليمان بن بلال ، وبمصر من سعيد بن أبي مريم ، وأصبغ ، وغيرهم ، وبالشام من أبي اليمان ، ومُحمد بن يوسف الفريانيّ ، وغيرهم ، وقال عن نفسه : ” كتبتُ عن ألفٍ وثمانين رجُلًا ليس فيهم إلا صاحب حديث ” .
ورحل من مكة بعد سماعه من شيوخها كالحُميديّ وغيره ، فارتحل إلى المدينة ، ثُمّ رحل إلى غالبية مُحدثي الأمصار في خُراسان ، والشام ، ومصر ، وبغداد وغيرها من مُدن العراق ، فاجتمع إليه أهل بغداد ، واعترفوا له بالفضل في علم الرواية والدراية في الحديث ، ثُمّ ارتحل إلى بلخ ، ونيسابور ، والرّي ، وغيرها .
– من صفات الإمام البخاري أنه عالم منفتح ومواكبة للعصر :
ألَّف الإمام البُخاريّ الكثير من المُؤلّفات والمُصنّفات ، وساهم في النُهوض بالحركة الحديثية ، فألَّف في الحديث ، ورجاله ، وعِلَلِه ، وأشهرها كتابه الجامع الصحيح ، وألَّف أيضاً الأدب المُفرد ، ورفع اليدين في الصلاة ، والقراءة خلف الإمام ، وبر الوالدين ، والتواريخ الثلاثة ؛ الصغير ، والأوسط ، والكبير ، والضُعفاء ، والمتروكين ، وخلق أفعال العباد ، والجامع الكبير ، والمُسند الكبير ، والتفسير الكبير ، والأشربة ، والهبة ، وأسامي الصحابة ، وله أكثر من عشرين مُؤلَّفاً .
– من صفات أصحاب اسم محمد أنهم مخططون بارعون :
برع الإمام البخاري في تصنيفه لصحيح البخاري ويُعدّ كتاب صحيح البُخاريّ أصحّ كتابٍ بعد القُرءان الكريم ، وكانت طريقته في التصنيف أنّه يُكرّر الحديث ، أو يُقطّعه ويُفرّقه على الأبواب ، ويستنبط منه الفوائد والأحكام الخاصة بذلك الباب ، وطريقته في التكرار لم تكن تكراراً حقيقيّاً ؛ لأنّه كان يُخرّج الحديث في كُل موضعٍ من طريقٍ آخر غير الطريق الذي رُوي به الحديث السابق ،
وقد اهتمّ المُسلمون والعُلماء على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم بكتابه الصحيح من حيث السماع ، والرواية ، والضبط ، والكتابة ، والشرح ، والتراجم ، وقد ذكر الأُستاذ عبد الغني بن عبد الخالق أنّ عدد شروح كتاب البُخاريّ إحدى وسبعين شرحاً ، وتُعدّ رواية محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري الرواية التي اتّصلت بالسماع في هذه العُصور وما قبلها .
ومن مُميّزات كتاب صحيح البُخاريّ جمعه بين الرواية والدراية ، مما جعل العُلماء يُقبلون عليه ويعتنون به ، ويقومون بشرحه ، فمن أشهر هذه الشُروحات كتاب فتح الباري للحافظ أحمد بن حجر العسقلانيّ .
– وفاة الإمام البخاري :
شهد العلماء والمعاصرون للبخاري بالسبق في الحديث ، ولقّبوه بأمير المؤمنين في الحديث ، وهي أعظم درجة ينالها عالم في الحديث النبوي ، وأثنوا عليه ثناءً عاطرًا .. فيقول عنه ابن خزيمة : ” ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري ” .
وقال قتيبة بن سعيد : ” جالست الفقهاء والعباد والزهاد ؛ فما رأيت – منذ عقلت – مثل محمد بن إسماعيل ، وهو في زمانه كعمر في الصحابة ” .
وقبَّله تلميذه النجيب ” مسلم بن الحجاج “ – صاحب صحيح مسلم – بين عينيه ، وقال له : ” دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذِين ، وسيد المحدِّثين ، وطبيب الحديث في علله ” .
وعلى الرغم من مكانة البخاري وعِظَم قدره في الحديث فإن ذلك لم يشفع له عند والي بخارى ؛ فأساء إليه ، ونفاه إلى ” خرتنك ” ؛ فظل بها صابرًا على البلاء ، بعيدًا عن وطنه ، حتى لقي الله تعالى في ( 30 رمضان 256هـ = 31 أغسطس 869م ) ، ليلة عيد الفطر المبارك .. رحمه الله تعالى وبارك له في جناته .
هكذا وصلنا إلى ختام محاضرتنا لهذا اليوم .. على أمل لقائكم في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى نسبر فيها معاً شخصية أخرى عريقة .
اشكر حضوركم الجميل وتفاعلكم الطيب .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .